احمد المسلمانى
ما بعد «داعش».. الصراع على الأنقاض
«الموصل.. (13) عاماً من الحزن».. هذا بالضبط ما جرى. زمنٌ من الفوضى والتدهور.. ثم زمن «داعش».. ثم معركة التحرير.. ثم الحديث الآن عن الموصل ما بعد «داعش».
إنّه السؤال الهيكلى الشهير: الموصل.. أين؟ وإلى أين؟
(1)
يا لها من مفارقات مذهلة: جيوشٌ على الأرض.. وجيوشٌ فى السماء.. سلاح الجو الأمريكى، والفرنسى، والبريطانى، والألمانى، والدانماركى، والكندى، والأسترالى، والتركى، والإماراتى، والعراقى.. الكل ضد «داعش».
مطارات العراق والسعودية والإمارات والكويت والأردن وتركيا، وحاملات الطائرات من بعد ذلك.. كلها ضد «داعش».. ومع ذلك تتحدث وسائل إعلام روسيا والولايات المتحدة عن أن المعركة مع «داعش» هى معركة طويلة.. وأن أمامها الكثير من الوقت.. ومن المبكر الحديث عن تحقيق انتصار.
لم تكن فى استراتيجية «داعش» أيّة مفاجآت.. أنفاق تحت الأرض، وسيارات مفخخة، وقنّاصة وألغام.. وحرائق نفط لحجب الرؤية.. وطائرات صغيرة بدون طيار تلقى بعض القنابل. وبين هؤلاء وهؤلاء يعيش نحو المليون ونصف المليون إنسان فى وضع كارثى.. وتتوقع الأمم المتحدة أن يغادر منهم نحو المليون نازح!
عانى سكان الموصل قبل «داعش».. وأصبحت المعاناة خيالية فى عهدها.. واليوم -وبعد (13) عاماً من الحزن و(13) يوماً من الحرب- يتطلع العراقيون فى الموصل إلى مستقبل يضع نهاية للدم والدموع.
(2)
هل تمضى الموصل حقاً إلى الأفضل؟.. تتحدث مراكز دراسات وصحف كبرى عن أن القادم قد لا يكون على قدر الأمل.. وأن صراعاً على السلطة قد ينشُب بعد قليل.. والأمر هنا يشبه سقوط الحكم الشيوعى فى أفغانستان فى زمن «نجيب الله».. وحقبة صراع المجاهدين ضد المجاهدين.
فى الموصل -بعد «داعش»- صراع مكتوم بين السنة والشيعة.. وبين العرب والأكراد والتركمان. ومن المحتمل أن يتحول الصراع الكامن إلى صراع صارخ وعنيف.. حين يأنس المنتصرون لنصرهم، ويطمئن المقاتلون على حياتهم.. لتبدأ حرب الغنائم.. منْ يأخذُ ماذا؟
(3)
سيكون ذلك أمراً مروِّعاً إذا ما جرى.. سينتقل الموصليون من صراعٍ إلى صراع.. ومن قتالٍ إلى قتال.. سيعانون من التطرف السياسى بعد أن عانوا من التطرف الدينى.. وسيجدون أنفسهم بين أحقاد العِرق والمذهب.. بعد أن كانوا حطباً لأحقاد الإرهاب ونيران التخلف.
لم يفعل العالم شيئاً والموصليون جميعاً أسرى «داعش»، وحياتهم بلا حاضرٍ ولا مستقبل.. ومدينتهم سجنٌ رهيبٌ يفوق أعلى مستويات الصبر والاحتمال. ولن يفعل العالم شيئاً إذا ما تحولّت الموصل إلى ساحة صراعٍ جديدة.. تغيّرتْ فيها الرايات وبقيتْ فيها الدماء. وإذا كان العالم قد تأخر من أجل «الحرب المحدودة» ضد «داعش».. فإنه قد يتأخر أكثر إذا ما تدهورت الأوضاع بعدها.
(4)
اليوم يجنى العراقيون مزيداً من آلام الغزو الأمريكى لبلادهم.. تم حلّ الجيش الذى كان واحداً من أفضل عشرة جيوش فى العالم.. وهو الجيش الذى لم ينقسم طائفياً ولا مذهبياً.. وخاض حرباً منتصرة مع إيران.
والآن.. لم يعد الجيش كما كان، ولم يتمكن التدريب والتسليح الأمريكى ومليارات الدولارات التى أُريقت من أجل دعم القوات المسلحة من إعادة الجيش إلى مكانته وقوته.
اليوم لا يستطيع الجيش أن يخوض منفرداً حرباً أقل من عاديّة فى مواجهة «داعش».. بعد أن خاض من قبل حرباً شاقةً وعصيبةً ضد الجيش الإيرانى الأغنى مورداً والأكثر عدداً.
عانى العراقيون.. من طبقات الموت، بعضها وراء بعض دركات.. من جرائم اليورانيوم إلى جرائم «داعش».
(5)
يحتاج الشعب العراقى الرائع إلى دعم حقيقى.. ويحتاج العراق الذى طالما كان موضِعاً للعلم والمعرفة.. وساحةً للبناء والعمران.. وعنواناً للثقافة والحضارة إلى دعم كل النبلاء والشرفاء. يحتاج الجيش العراقى إلى التأييد فى مواجهة الإرهاب.. وتحتاج الحكومة إلى النصيحة حتى لا تخلِط الحرب على الإرهاب بالحرب على المذاهب.
يحتاج العراقيون أن يدركوا.. أنه لن يُجفِّف دموعهم إلا أنفسهم.. ولن يوقف نزيف دمائهم إلا عقولهم.. ولن ينقذ المستقبل إلا الحاضر.
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر