أحمد شوقى
تعالوا إلى «وطن سواء بيننا»!
أتمنى أن نستلهم القرآن الكريم، الذى يدعو أتباعه إلى شهادة التوحيد، بأن يلتقوا على كلمة سواء بينهم، ونحث أبناء مصر أن يجتمعوا على كلمة سواء بينهم، تستهدف رفعتها والارتقاء بها، وتجاوز ما يقابلها من عثرات وما يراد بها من مشكلات.
لا أشك لحظة واحدة فى أن الغالبية الساحقة من المصريين توافق على هذه الدعوة، وإن كان من الضرورى أن نفعلها، أو كما أقول دائماً: أن نحول الفكر إلى فعل ينفع الناس، ويمكث فى الأرض، أرض الكنانة.
ومع رجاء ألا يساء فهمى، لأن الدعوة موجهة إلى كل أبناء مصر بالطبع، أتذكر ما قاله الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) فى حب مكة المكرمة، عندما أجبر على الهجرة منها، وأستخلص من ذلك درساً عظيماً فى «حب الوطن» فإذا كانت مكة هى «القبلة الدينية» لكل المسلمين، الذين تهفو قلوبهم إلى زيارتها، فإن مصر هى «القبلة الوطنية» لكل المصريين، الذين يحبونها ويخلصون لها، إلا من اختار أن يكون مارقاً ومخالفاً، وهم قلة والحمد لله.
بعد هذا الحديث، الذى لا يخلو من عاطفة لا نعتذر عنها، لأنها تتعلق بالوطن، ننتقل إلى حديث الفعل، الذى يجب أن يتفق مع حديث الفكر والعاطفة، ماذا يجب أن نفعل الآن، وليس غداً؟ وبمعنى آخر، ماذا يجب علينا فعله اليوم من أجل غد/مستقبل أفضل؟ دعونا نجتهد فى الإجابة عن هذا السؤال، سؤال الفعل:
- هناك منطلقات يعد الاتفاق حولها شرطاً لازماً لنجاح «الفعل الوطنى» بشكل عام، وفى حالتنا الراهنة بشكل خاص، أولها أننا فى معركة متعددة الأوجه والجبهات. هذه المعركة تستنفد جهودنا، وتؤثر سلباً على استقرارنا واقتصادنا، وتؤجل خطط التنمية وتحسين نوعية الحياة لملايين المواطنين الذين ارتفع سقف طموحاتهم بعد 30 يونيو عالياً، مما يؤدى إلى عدم الرضا وفقدان الثقة.
ولعل أبسط ما نفعله حتى لا نخسر هذه المعركة، أن ننحى خلافاتنا -لا اختلافاتنا- جانباً. هذه ليست عبارة إنشائية، لكنها نقدية بامتياز.
فالطرح الإعلامى المتردى لكثير من الاختلافات يحولها، غرضاً أو مرضاً، إلى خلافات وأفعال مارقة، تفرق ولا تجمع، وتتحول إلى جزء من المشكلة، بدلاً من أن تكون جزءاً من الحل. فمثلاً، من الطبيعى أن تكون هناك اختلافات، بل واختلافات حادة، حول السياسات الاقتصادية فى ظل أوضاع شديدة الوطأة على الدولة والمواطنين معاً، وهذا أمر صحى ومطلوب. إننى كأحد بسطاء هذا الوطن العزيز أخشى كثيراً من آثار تعويم الجنيه، لكننى لا أقبل أن يعتبره البعض «تعويماً للوطن».
هذا أمر اقتصادى معروف، له ما له وعليه ما عليه، وعلى أصحاب القرار تحمل مسئوليته وإقناعنا بضرورته، ومن المهم النقد الموضوعى، لا النقض الهدام. هل سيواجه «سعار الدولار» أم سيزيده توحشاً؟ هذه هى المسألة.
- إذا ما اتفقنا على نبذ الخلافات، علينا أن نتعلم كيف ندير الاختلافات، باعتبارها طبيعية ومشروعة، بل شديدة الأهمية للتوصل إلى أفضل الحلول لمواجهة التحديات.
إن الهدف من إدارة الاختلافات يتمثل فى أن «نختلف لنأتلف»، وذلك لا يتأتى إلا بالاتفاق على الأهداف الوطنية، والحوار حول أفضل السياسات والقيادات التنفيذية فى مختلف مواقع الأداء فى سبيل تحقيقها، بعيداً عن الرأى الواحد والصوت الواحد.
أذكر أن القيادة السياسية قد دعت إلى نشر «ثقافة الاختلاف» لكن هنالك من يصر على نشر «ثقافة الخلاف» وفرق شاسع بين الأمرين، لماذا لا نفعل هذه الدعوة ونختبرها ثقافياً واجتماعياً وإعلامياً وعن طريق منظمات المجتمع المدنى المعنية بذلك؟ ألا يصح أن يكون للحكومة والبرلمان دور أكثر كفاءة وقدرة فى هذا الشأن؟
- ولأن من الطبيعى أن يكون لكل معركة كلفتها العالية، وخصوصاً عندما تكون متعددة الأوجه والجهات، كمعركتنا الحالية مع الإرهاب والاقتصاد والتربص الداخلى والخارجى والمتغيرات غير المواتية على الساحتين الإقليمية والعالمية، لا بد أن يكون لكل أمر حساباته الدقيقة.
إن الجيش والشرطة لا يتوانيان عن دفع كلفة مواجهة الإرهاب بإخلاص، والقيادة السياسية ومعها الدبلوماسية المصرية متكفلتان بالشئون الخارجية. ولكن، ماذا عن الاقتصاد بالذات، الذى يجب أن يخرج من عثراته، إذا أردنا مواصلة امتلاك القدرة على مواجهة تحديات المعركة؟
إن المسئولية تقع على عاتق الحكومة، المطالَبة بتقديم أفضل سياسات ممكنة لتجاوز الأوضاع الحالية، والاستجابة إلى الرأى الآخر بانفتاح واهتمام.
كما أن هنالك مسئولية حكومية شعبية ورقابة مشتركة لتعقب الفساد والاحتكار واستغلال الظروف الاقتصادية الصعبة للابتزاز والإثراء غير المشروع.
- أخيراً، أرجو أن نستلهم اللحظات الجامعة فى تاريخنا الحديث، التى ذابت فيها خلافاتنا، رغم كل اختلافاتنا الطبيعية ثقافياً وسياسياً ومجتمعياً بشكل عام. إن دروسها المستفادة تؤكد قدرتنا على ممارستها أمام التحديات.
علمتنا ثورة 19 أن الدين لله والوطن للجميع، وثورة يوليو حيث استطاع إجماع الشعب تحويل الحركة المباركة للضباط الأحرار إلى علامة فارقة فى تاريخنا، والإصرار على تجاوز هزيمة يونيو الذى مكننا من إعادة بناء الجيش وحرب الاستنزاف وخطة العبور، وروح أكتوبر التى تدفعنا إلى استعادة زخمها.
كما أن «يوتوبيا التحرير»، رغم ما آلت إليه الأمور، كانت وراء 30 يونيو وخريطة المستقبل، التى حمتنا مما يحدث حولنا. هذه ليست عبارات عاطفية، لكنها -كما ذكرنا- دروس تاريخية ترشدنا إلى ما يلزم علينا فعله من أجل «وطن سواء بيننا».