المساء
خيرية البشلاوى
بين شباب السينما والواقع محيط عميق
من خلال الأفلام الروائية الطويلة المتسابقة في المهرجان القومي للسينما المصرية وعددها عشرون فيلماً يمكننا أن نلقي نظرة سريعة علي نماذج الشباب المصري الذين لعبوا البطولة في هذه الأعمال بعضها تعتبر تجارب أولي لصناعها من فئة الشباب.
وبشكل عام لن تجد أياً منهم يشبه ولو من بعيد هؤلاء الشباب الذين شاركوا في المؤتمر الأول للشباب الذي انعقد في مدينة شرم الشيخ منذ أيام قليلة. ولن تتوقف أو يلفت نظرك شخصية سوية لأن الأسوياء ندرة والعاديين والنجباء ليس لهم مكان أو مساحة علي الشاشة الكبيرة. والقليلة جداً منهم يظهر علي الشاشة الصغيرة. أعني من خلال المسلسلات التليفزيونية.
النسبة الأكبر يمارسون الجريمة أو ينخرطون فيها بدوافع انتقامية أو بسبب "الأنثي" والصراع علي امتلاكها. وحتي المراهقين منهم أو من يقدمون في إطار هذه المرحلة السنية فأغلبهم منحرفون ومغيبون بفعل المخدرات أو بسبب التفكير الغيبي والتسليم بالخرافة والاستسلام لمظاهر الفساد من نفر من صناع الأفلام أنفسهم ومن يؤلفون القصص للشاشة منجرفين في تيار الرذيلة يرون عناصر الجذب محصورة في المرأة الأنثي وبالذات المنحرفة. وفي الفتيات اللاهيات الباحثات عن السلوي وحلول المشكلات أمام أضرحة المشايخ. أو الشباب المشغول في معارك الصراع لتحقيق نجاحات فارغة تؤكد تفوقه الذكوري. وجاذبيته الجنسية. أو مهاراته المكتسبة الغريبة التي تؤهله كمدرب رقص بلدي فيصبح بهذه القدرة مصدراً من مصادر الترفيه بغض النظر عن المضمون الذي تنطوي عليه المشاهد التي ينجح فيها كراقص ينافس فيفي عبده.
"الحرام" كمصدر للإيقاع الحسي يتم الامعان في تصويره وتكريس دوافعه الأولية التي تحركها الغريزة الحيوانية ويشكل القصب في بنية الفيلم.. ايضا التشوهات الخلقية الشكلية والمظهر المعوق والتهتهة اللفظية مع الطموح غير المحتمل والبعيد عن التحقق في الفوز بالأنثي الجميلة المشتهاه من الرجال يدخل بدوره ضمن الموضوعات التي تتحمس لها السينما المصرية وتولد من خلالها نجوماً يتم استثمارهم حتي تملها وينصرف جمهور السينما عنها.. أي أن "القبح" يشكل أحد مظاهر السينما السائدة.
النموذج الأكثر تحققاً والأعلي سعراً هو الأكثر تجسيداً لمظاهر العنف وقيم الفوضي والخروج علي القانون والعدوانية البغيضة علي كل عناصر "الاستواء" ايضا النزعة الفردية في تجلياتها الأكثر إسفافاً وسوقية وجوراً علي قيم الجمال.
النماذج "السوية" أو تلك التي ينتشر وجودها في أماكن تجمع الشباب مثل الكافتريات الحديثة التي تبيح استخدام المخدرات أو توفر الفرصة لتعاطيها دون مساءلة هذه النماذج نفسها عند معالجتها فنياً لابد أن تكون حاملة لفيروسات الحياة "الحديثة" التي يتمرد المنخرطون فيها علي التقاليد والقيم الأخلاقية والعائلية ومن ثم تكثر بينهم نسب الطلاق والخيانة الزوجية والشذوذ بأشكاله.
لا أشير إلي المستوي الفني لأن هناك نسبة من الأعمال قليلة تنجح فنياً ويطمح مخرجوها إلي الخروج عن القوالب المألوفة وطرح موضوعات متحررة من آفة المخدرات. والعنف الدموي والانحرافات الأخلاقية. وطرق موضوعات أخري أكثر تركيباً وأعمق فكرياً ولكنها تظل بعيدة تماماً عن الواقع وعن نماذج الشباب الذين يوضعون أو يضيعون في متاهات ما يفرزه تعقيداته وظروفه ويجاهدون في ظروف حياتية صعبة.
وبشكل عام تبدو الشاشة وصناع الخيالات التي تتحرك عليها غير عابئة إلا بالترفيه الهروبي المسلي في زمن تؤكد فيه السينما حضوراً طاغياً ومؤثراً علي المستوي الفكري والسياسي والإنساني ومن دون أن تكون مملة أو قبيحة أو عاجزة عن تحقيق البهجة وتحريك الذهن وإمتاع العين والعقل شكلاً وموضوعاً.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف