الأهرام
يوسف القعيد
يوميات شرم الشيخ
ها هى مصر الشابة بعد أن كانت حلماً بعيد المنال. أصبحت واقعاً حقيقياً. يمكنك أن تراه. حتى لو لم تذهب لشرم الشيخ. كان من المستحيل وجود 90 مليون مصرى هناك. لكن وسائل الإعلام جعلت كل الناس ترى ما جرى هناك. بل إن المشاهدة عبر التليفزيون والاستماع من خلال الراديو، ربما مكنتا الإنسان من المتابعة. وهذه إيجابية تجعلنا ندرك أننا نعيش فى زمن آيته: الإعلام.

كان هناك شباب الإعلاميين. شباب المبدعين والفنانين. شباب الصحفيين. شباب الرياضيين. شباب الأحزاب. شباب البرلمان. مصر الشابة فى حالة انعقاد دائم ومتواصل ومستمر. مجرد أن يجتمع أكثر من ثلاثة آلاف شاب فى مكان واحد لمدة خمسة أيام، ثلاثة أيام انعقاد المؤتمر ويوم للذهاب ويوم للعودة. تلك إيجابية الإيجابيات العائدة من مؤتمر مصر الشابة الذى جعل شعاره كلمتين: أبدع، انطلق.

أن يتعلم الشباب فن الحوار. الفريضة الغائبة فى حياتنا. ويوصلهم لتعلم الاختلاف. ينظر له البعض على أنه جريمة. مع أن البشرية لم تتقدم إلا نتيجة لاختلاف الرؤى والاجتهادات والتصورات والأفكار.

فى حفلتى الافتتاح والختام. عندما شاهدت ــ بأم عينىَّ ــ الرئيس عبد الفتاح السيسى يجلس وعلى يمينه شاب. وعلى يساره شابة. وهكذا كان الصف الأول الذى تعودنا على أن يجلس فيه رجال الصف الأول فى مصر. رئيس الوزراء، بجواره من الناحيتين شباب. ووزير الدفاع حوله شباب. والدكتور كمال الجنزورى، رئيس وزراء مصر الأسبق، يحيط به شباب. ووزير الداخلية حوله شباب. لم يجلس وزير بجوار وزير. لكن الشباب ــ ولأول مرة فى تاريخ هذا الوطن ــ جلسوا فى الصف الأول بجوار قادة الصف الأول فى بلادهم.

حتى لو لم يتبادلوا معهم كلمة واحدة. فجيرة الجلوس تزيل فجوة العلاقة الغامضة بين المحكوم والحاكم. وتزيل الرهبة المتراكمة عبر سبعة آلاف سنة التى يشعر بها المحكوم تجاه الحاكم. وتقلل من هالة القداسة التى تحيط بالحاكم فى المخيلة الجماعية للناس. وتحول الرئيس ورجال الرئيس إلى بشر من دم ولحم. يصيبون وقد يخطئون.

فى ستينيات القرن الماضى قلنا: الشباب نصف الحاضر وكل المستقبل. وبعد مؤتمر الرئيس السيسى فى شرم الشيخ، قمت بتعديل العبارة التى حفظتها منذ بريق وألق ستينيات القرن الماضى. قلت لنفسى: الشباب هم كل الحاضر وكل المستقبل. فعندما نتوقف أمام خريطة سكان مصر. سنجد أن الشباب هم الأغلبية الكاسحة والمكتسحة بين أبناء الوطن. فضلاً عن أننا الماضى وهم الحاضر وهم المستقبل.

الروائى الروسى العظيم ليو تولستوى، كتب فى مذكراته أن الكهولة تبدأ فى سن الخمسين. والعاشق الكبير فى التاريخ الإنسانى كازانوفا، دوَّن فى اعترافاته أن الكهولة تبدأ فى الخامسة والثلاثين. أختلف معهما. فالشباب إحساس. والشباب طريقة فى التعامل مع العالم، ورؤية الكون وفهمه وإدراكه.

شاركت فى ثلاث ندوات، فى ورش العمل. ضمن الندوات التى تناولت الشأن الثقافى المصرى. وكنت مهتماً بالاستماع للشباب مقاوماً شهوة الكلام والاسترسال فى الكلام والتجول على نظرات الأعين فى الصالة لأصطاد ردود فعل ما أقوله. وأوصل نفسى لمشارف الغرور عندما أتصور أنهم استمعوا لى وعلى رءوسهم الطير، كما تقول الجملة التراثية القديمة.

كان يعنينى أن أسمع أصواتهم، ألم يقل لنا التراث الإغريقى القديم: تكلم حتى أراك. كنت أريد أن أعتبر نبرات أصواتهم طريقاً إلى قلوبهم. لأرى كيف يروننا؟ وكيف يشعرون بمصر؟ وما هى مصر التى يحلمون بها؟ وكيف يحقق كل منهم حلمه المصرى؟ وباعتبار أن الحلم القومى، تجميع لأحلام فردية. فعند تجميع أحلام الأفراد، يمكن أن نصل للحلم العام الذى نفتقده كثيراً. فجحيم مصر، الذى كان، فقدان القدرة على الحلم.

مؤتمر شرم الشيخ علامة فارقة فى تاريخ البلاد. ولا أبالغ عندما أقول إن المؤتمر سيكون له ما قبله، وسيكون له ما بعده. لأن مصر الشابة اجتمعت وفكرت وقالت رأيها، ووافقت أو اعترضت، أضافت أو انتقصت، المهم أن هذا هو صوت مصر الشابة. علينا أن ننصت إليه. وأن نتوقف أمامه. وأن نعتبره رسائل المستقبل الموجهة إلينا من الزمن الآتى.

هل نسى أحد من أبناء جيلى سنة 1968؟ عندما بدأت ثورة الشباب. ورغم بعد الزمان وطول المسافة، وترامى الوقت، ما زلت أذكر عناوين الصحف المصرية والعربية والأجنبية: شباب 68 يهز العالم. أتمنى أن نقول إن شباب مصر 2016 هز مصر. وأقنع المصريين أن مصر تتغير. وأنه تغير للأحسن. وأن عجلة التغيير ما دامت بدأت. فلن تتوقف أبداً عند نقطة واحدة. ستصل بنا إلى آخر المدى.

ثورة فى الثورة. تعبير ليس من عندى. التعبير لمفكر يسارى أوروبى، تاه من ذاكرتى اسمه من كثرة ما زحمتها بالأسماء والمعلومات والأرقام. لكن المؤتمر الذى عقد بعد ثورتين: الخامس والعشرين من يناير، والثلاثين من يونيو، والثالث من يوليو، قرر أن يقوم بثورة فى الثورة. لا أن يثور على الثورة. لكن أن يستخرج منها ما يدفعه للأمام. وما يمكنه من أن يأخذ بلاده إلى ما هو أحسن. على أى أساس تم اختيار من ذهبوا؟ هذا هو السؤال الذى سئلته ممن لم يذهبوا. اتصل بى آلاف الشباب. قلت لهم وأكتب الآن أنه من رابع المستحيلات أن يدعو القائمون على المؤتمر جميع شباب مصر. وأى اختيار يتم يقوم به بشر لا بد من الاعتراض عليه. خصوصاً من الذين لم يقع عليهم الاختيار. وتلك من طبائع البشر. لكن أتمنى ألا يتم تثبيت من حضروا فى المؤتمر الأول. وأن يتم إضافة أسماء جديدة لهم من شباب مصر.

أحلم أن يتحول المؤتمر لمؤسسة شابة تحلم لمصر. تُسمع مصر صوت الشباب. تُقدم لهم رؤاهم. وأن تتواصل مع كل شباب مصر. السيد الرئيس تحدث عن موقع من مواقع التواصل الاجتماعى. وأتمنى أن تكون هناك وسائل تواصل غيرها. تواصل ورقى. فليس كل شباب مصر يعرفون هذه المستحدثات الجديدة. وأن يعلن عن بريد تُرسل إليه الرؤى والأحلام الورقية.

مكان موعدنا القادم نوفمبر 2017.

وزمان لقيا حب مصر والحلم لمصر: شرم الشيخ.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف