المساء
مؤمن الهباء
شهادة - آخر تحذير!!
في أحدث تحذير أطلقه العالم الكبير الدكتور فاروق الباز مدير مركز الاستشعار عن بعد بجامعة بوسطن الأمريكية قال إن الأراضي الزراعية في مصر ستختفي خلال 183 عاماً في حالة استمرار معدلات البناء عليها حالياً.. وذلك طبقاً لتحاليل صور الأقمار الصناعية.
وقال د.الباز: للأسف الشديد منذ ثورة يناير 2011 ارتفعت معدلات البناء علي الأرض الزراعية لمستويات غير مسبوقة تصل إلي 30 ألف فدان سنوياً.. وإذا لم يتحرك الجميع فستضيع كل الأراضي الزراعية في مصر.. ودعا لوضع حلول جديدة لهذه الأزمة الخطيرة وفتح مجال للبناء خارج الأراضي الزراعية مثل ممر التنمية الذي سيوفر 10 ملايين فدان.
وقد كتبت كثيراً في هذه الزاوية محذراً من تآكل الأراضي الزراعية وتآكل الزراعة كمهنة شريفة تمثل العمق الاستراتيجي للأمن القومي المصري.. وجاءت شهادة د.الباز لتؤكد صدق تحذيري وتدعم مخاوفي من التدهور الكبير الذي أصاب الأراضي الزراعية في بلادنا.. وصار يشكل تهديداً حقيقياً لوجودنا اليوم وغداً.
وكانت وزارة الزراعة قد أصدرت تقريراً رسمياً في أواخر العام الماضي أكدت فيه فشل الحكومة في إزالة 83% من مخالفات البناء علي الأراضي الزراعية التي بلغت أكثر من 53 ألف فدان منذ ثورة 25 يناير ..2011 وتلك حقيقة صادمة لكل من يفكر بجدية في مستقبل هذا الوطن والشعب الذي يعيش علي أرضه.. فنحن تقريباً الدولة الوحيدة في هذا العالم التي تبني علي الأراضي الزراعية.. وفي الوقت ذاته تنفق ملايين الجنيهات علي استصلاح الأرض الصحراوية.
ثم زاد الأمر سوءاً بعد تراجع برامج استصلاح الأراضي التي كانت تقوم بها الدولة وتركت هذه المهمة للشركات الاستثمارية والإقطاعيين الجدد الذين لم يستصلحوا ولم يزرعوا بالمعدلات المطلوبة والموثقة في عقودهم وفضلوا تسقيع الأراضي والمتاجرة فيها.
الجديد والمخيف في الموضوع أن هناك كتابات ظهرت في الفترة الأخيرة تدعو إلي إباحة البناء علي الأراضي الزراعية القديمة في الدلتا والوادي بدعوي أنها فقدت قدرتها علي الإنتاج بمعدلات معقولة والتركيز علي الزراعة في الأراضي الصحراوية "الجديدة" التي تعطي محاصيل بمعدلات عالية.. جاء ذلك في عدة مقالات نشرها الكاتب "نيوتن" في عموده اليومي بجريدة "المصري اليوم" مؤخراً.. وهو منطق مردود عليه بأن معدلات الإنتاج العالية في الأراضي الجديدة مسألة طبيعية لأن من يزرعون هذه الأرض مستثمرون مقتدرون ينفقون بسخاء علي مستلزمات الإنتاج.. ويتبعون الطرق الحديثة في الزراعة.. أما من يزرعون في الأرض القديمة فهم فلاحون فقراء ليس لديهم رأس المال المتاح لأصحاب الأراضي الجديدة.
وحتي لو سلمنا جدلاً بأن الأرض الصحراوية أفضل فمن الضروري أن تحافظ علي الأرض القديمة إلي أن نتأكد من أن إنتاج الأرض الجديدة صار يكفينا.. أما التسرع في إباحة البناء علي الأرض الزراعية علي أمل أن البديل جاهز فتلك مغامرة كبري وغير محسوبة العواقب.
نحن نعترف أن قوانين حظر البناء والعقوبات لن تمنع الناس من بناء منازل يحتاجونها لمواجهة الزيادة السكانية وتمدد الأسر.. لذلك فإن الحل يبدأ من إتاحة الأراضي الرخيصة في مناطق صحراوية جديدة وجاذبة يتم تخطيطها بعناية لتكون البديل الأفضل والأرخص من البناء علي الأرض الزراعية.
لابد من التركيز علي إيجاد مجتمعات عمرانية جديدة وصغيرة في الظهير الصحراوي للمحافظات.. وتطرح الأراضي فيها بسعر تكلفة المرافق فقط.. وتكون الأولوية لأبناء المحافظات القريبة.. وكل متر يباع في هذه الأرص سيحول دون التعدي علي أمتار في الأراضي الخصبة.
أما إذا استمرت الحكومة تعمل بعقلية المقاول الذي لابد أن يكسب.. وإذا استمرت الأرض الصحراوية تباع بأغلي من الأرض الزراعية.. فسوف يستمر التآكل والضياع.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف