المصرى اليوم
عبد الناصر سلامة
فى الموصل.. نهاية العراق
أعتقد أننا بين لحظة وأخرى، على وشك سماع الخبر الصاعق الذى يعلن تقسيم العراق الشقيق إلى دولتين، إحداهما شيعية، والأخرى كردية، دون اعتبار لأهل السنة هناك، اللهم إلا إذا استمرت مقاومة ما يعرف بتنظيم «داعش» فى الموصل تحديداً، بما يؤكد أن وجود هذا التنظيم على الأراضى العراقية هو الذى يمنع ذلك التقسيم أو ذلك الإعلان حتى الآن.
أكد هذه الحقيقة المؤلمة رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال جوزيف دانفورد، خلال جلسة استماع بالكونجرس، شرح فيها سياسة أمريكا المقبلة بالشرق الأوسط قائلاً: «إن العراق يمكن تقسيمه إلى دولتين فقط، دولة للشيعة، وأخرى للأكراد، ولا مكان لأهل السنة، لأنهم لا يملكون الموارد الكافية لتشكيل دولة، وسيشكلون- على حد قوله- عبئاً على الحكومة الموحدة إن تم تشكيلها».

التصريح الأمريكى يأتى فى الوقت الذى تقوم فيه الميليشيات الشيعية المدعومة من الحكومة العراقية بأكبر عملية تطهير طائفى فى أطراف مدينة الموصل، التى من المفترض أن القوات العراقية بدعم أمريكى تسعى إلى استعادتها من تنظيم داعش، الذى أبدى مقاومة قوية من خلال ستة إلى عشرة آلاف مقاتل، بينما يصل عدد القوات العراقية إلى٤٠ ألفاً، والأمريكية ٥ آلاف، وميليشيات الحشد الشعبى الشيعى ٤٠ ألفاً، وقوات البشمركة الكردية نحو ٥٠ ألفاً، ومسلحو الحشدين الوطنى والعشائرى الذين يقدر تعدادهم بعشرة آلاف.

صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية قالت إن الرجال والصبية فى القرى التى تقع فى أطراف مدينة الموصل يتعرضون لانتهاكات واسعة، أبلغت عنها منظمات حقوق الإنسان، منها الإعدام، والاعتقال التعسفى على يد الميليشيات الشيعية، وأن التكلفة البشرية لاستعادة الموصل ستكون عالية جداً، فى الوقت الذى كانت قد حذرت فيه منظمات حقوقية مسبقاً من مشاركة الحشد الشيعى فى عملية القتال الدائر حول الموصل، استناداً إلى المجازر السابقة التى ارتكبوها فى تكريت والفلوجة، ومن بينها تفجير مساجد وحرق منازل، وهو ما تكرر فى مدينة الرطبة بمحافظة الأنبار موخراً بعد تحريرها، حيث تم تفجير أكبر مساجد المدينة، وسرقة المولدات الكهربائية من المنازل التى تمت مداهمتها.

مدينة الموصل بالشمال العراقى هى آخر المعاقل السنية العراقية الكبرى، هى المدينة التى كانت نواة جيش صلاح الدين فى فتح بيت المقدس، بعض المفسرين أكدوا أنها المدينة التى لم يعذب الله سبحانه وتعالى أهلها كبقية الأمم لما آمنوا، وأن قُرآناً نزل فيهم، سورة يونس، آية ٩٨ (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِين) يقترب عدد سكانها من مليونى نسمة، مهددون الآن ما بين القتل والتهجير الجماعى، تعتيم إعلامى كبير على الأوضاع داخل المدينة، كل الاتصالات مقطوعة بعد عامين من الحصار، مخاوف من أن تستخدمهم داعش كدروع بشرية، أو يتعرضون لحملة إبادة من الحشد الشعبى، أو يصبحون ضحايا القصف الجوى، فى كل الأحوال الموت يقترب منهم، إن لم يتدخل المجتمع الدولى.

بعض المراقبين يرون أن ما يجرى فى الموصل الآن إنما هو امتداد للخطة الأمريكية المسبقة المتعلقة بتهجير أهل المدينة فى نهاية الأمر، حتى يمكن استكمال سيناريو التقسيم الشيعى الكردى، وإلا فماذا كان الهدف من دخول داعش إلى العراق منذ البداية، هو إذن الذريعة لدخول قوات الحشد الشيعى مدعومة بقوات الجيش، وهو الذريعة للقصف والتهجير والقتل والاحتلال والإبادة، وهو الذريعة لإعلان دولة كردية على الحدود التركية فى إطار تصفية حسابات وخطط مستقبلية أخرى فيما يتعلق بتركيا، إضافة إلى دولة العراق الشيعية على الحدود السعودية، التى تأتى فى إطار تصفية حسابات وخطط مستقبلية أخرى مع الرياض، لتنفيذ المخطط النهائى بتمكين الهلال الإيرانى، الممتد حتى سوريا ولبنان، قادماً من العراق واليمن، انتظاراً لجولة الصراع الأخيرة بشبه الجزيرة العربية، أو بمعنى آخر، مع مشايخ الخليج.

فجأة ووسط تطورات سريعة فى الموقف، اكتشف أهل الموصل أنهم أصبحوا بين خيارين، أحلاهما مُرّ، نار الشيعة، ونار داعش، وسط صمت عربى مريب وتحرك دولى أكثر ريبة، فقد اكتفى العرب بانتظار ما ستسفر عنه الأحداث، بينما كان التدخل الأمريكى بمباركة غربية مثيراً للدهشة طوال الوقت، فلم يعد أحد يستطيع أن يستوعب الموقف الأمريكى، مع من ضد من، إلا أنه فقط يسير كما هو مخطط له سلفاً باستخدام كل الأطراف دون استثناء، بما فيها مجلس الأمن الدولى، وإذعان روسى يصل إلى حد التواطؤ، مادامت الأوضاع فى سوريا تسير على هوى موسكو، بتواطؤ أمريكى مشابه، فيما بدا أنه تقسيم أدوار.

الحقيقة المؤكدة الآن هى أن العرب سوف يستيقظون على سقوط الموصل، بعد تخيير أهلها بين التهجير أو الموت، تكراراً لسيناريو مدينة حلب السورية، ثم يستيقظون مرة أخرى على التقسيم الجديد، ولا عزاء لأهل السنة، ليس فى العراق فقط، بل فى المنطقة ككل، كما لا عزاء لعراق العروبة، والبقية تأتى، استكمالاً لتقسيمات سايكس بيكو قبل مائة عام فى ١٩١٦، لا أكثر من ذلك ولا أقل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف