الأخبار
عبد القادر شهيب
إعلام الكذب والصراخ!
وهكذا لقد اكتفينا نحن معشر الصحفيين والاعلاميين بالتصفيق لواحد من أبرز شيوخنا، ولكننا لم نراجع أنفسنا أو سلوكنا الصحفي والاعلامي المعيب

عندما وقف أستاذنا مكرم محمد أحمد في مؤتمر الشباب محتجا ومنبها ومحذرا من إعلام الكذب والصراخ الناجم عن افتقاد المهنية لم ينل كلامه ترحيبا وتأييدا حارا من أغلب المشاركين في المؤتمر والكبار فقط، و إنما كل الصحفيين والاعلاميين المشاركين في المؤتمر، سواء الذين كانوا يجلسون علي المنصة أو في مقاعد الحضور، وأيضا كل الصحفيين والاعلاميين الذين لم يشاركوا في المؤتمر رحبوا بما قاله الصديق والأخ الكبير مكرم محمد أحمد.. ولم يعترض صحفي أو إعلامي واحد علي ما قاله.. ومع ذلك مازال اعلام الكذب والصراخ مستمرا، ومازالت المهنية مفتقدة، ومازالت وسائل إعلامنا المقروءة والمسموعة والمرئية تضخ الاكاذيب والأخبار غير الصحيحة والمعلومات المغلوطة، بل والشائعات علي مدار الساعة.. وكأن المهنية وأسسها قد وضعت للحديث عنها أو المطالبة بها وليس الالتزام بها في عملنا الصحفي والاعلام.
نحن نحاسب بعضنا نحن معشر الصحفيين والاعلاميين علي عدم الالتزام بمعايير المهنية التي تقتضي تحري الصدق وتدقيق الخبر والتأكد من صحة المعلومة قبل نشرها أو اذاعتها وعدم الخلط بين الخبر والرأي أو بين المادة التحريرية والاعلانية، وعدم الاعتماد علي مصادر مجهلة، وأيضا عدم استخدام القلم أو الميكروفون أو الشاشة للابتزاز أو التربح وتحقيق المكاسب الخاصة.. ولكننا لا نحاسب أولا أنفسنا ولا حتي نعاتبها علي ارتكاب الاخطاء الصحفية والاعلامية، بل نحاول أن نبررها ونزين لأنفسنا ممارستها.
ولعل ذلك هو ما يفسر ذلك التأييد الجارف الذي حظي به أستاذنا مكرم محمد أحمد في شرم الشيخ عندما وقف محتجا علي فقدان المهنية ومحذرا من الجرائم الصحفية والاعلامية التي ترتكب بسبب ذلك الافتقاد للمهنية، وتم التعبير عنه بالتصفيق له عدة مرات وبحرارة من الاعلاميين والصحفيين قبل غيرهم ومن الشباب قبل الكبار، ومن غير المسئولين قبل المسئولين.. بينما مازال اعلامنا - مقروءا ومذاعا ومشاهدا - يرتكب الاخطاء المهنية بل والوطنية أيضا.. أي يمارس الكذب والصراخ، أو تضليل الرأي العام بدلا من تنويره وتبصيره بالحقيقة.
وهكذا لقد اكتفينا نحن معشر الصحفيين والاعلاميين بالتصفيق لواحد من أبرز شيوخنا، ولكننا لم نراجع أنفسنا أو سلوكنا الصحفي والاعلامي المعيب.. رحبنا بما قاله وأيدناه ووافقناه عليه واكتفينا بذلك ولم نطبقه علي أنفسنا.. وكأن كل واحد منا تصور أن علي الآخرين غيره الالتزام بأسس ومعايير المهنية، أما هو فهو معفي من الالتزام بها أو مستثني من إلزامه بها.. ولذلك استمر ولم يتوقف أو يتراجع أو يقل إعلام الكذب والصراخ حتي الآن.. وأي تحليل مضمون موضوعي لاعلامنا خلال الايام التي تلت مؤتمر الشباب سوف ينتهي إلي أن الاخطاء والخطايا الاعلامية مازالت تمارس بتجرؤ لعله الأكبر.. وكأن تحذيرات أستاذنا مكرم قد ذهبت أدراج الرياح أو دخلت أذاننا من جهة وخرجت من الجهة الاخري، أو كأننا اعتبرناها لا تخصنا وإنما هي موجهة لغيرنا من الصحفيين والاعلاميين.
ويظهر ذلك بوضوح في الطريقة التي تناول بها إعلامنا الحدث الجلل الذي تعرضنا له مؤخرا وهو حادث السيول التي ألحقت الكثير من الأذي والضرر بأعداد ليست قليلة من المواطنين والمنشآت العامة والطرق وأدت إلي سقوط قتلي وجرحي.. فالصراخ والزعيق كان هو السمة الطاغية والغالبة علي هذا التناول الاعلامي لكارثة السيول.. ولم يظفر القراء والمشاهدون والمستمعون بمعلومات مدققة حول ما حدث وكيف حدث واحتمالات تكراره مستقبلا و طرق مواجهته.. لم نعرف مثلا بدقة حجم وكمية الامطار التي سقطت علي المناطق التي تعرضت للسيول.. ولم نعرف أيضاً لماذا لم تنفق الاموال التي حصلت عليها وزارة الري من صندوق تحيا مصر للاستعداد لمواجهة سيول هذا العام ولم نعرف كذلك مضمون ونص تحذيرات الارصاد بحدوث سيول وكيف تعاملت تفصيلا الأجهزة المحلية في المحافظات التي تعرضت لهذه السيول وقبلها الوزارات المعنية، خاصة وزارات الري والبيئة والحكم المحلي ، وأيضا رئاسة الحكومة.. حتي نحدد المسئوليات عما حدث بدلا من اطلاق واصدار الاحكام بأنفسنا هنا وهناك، وكأننا تحولنا من محققين يتحرون الحقيقة إلي قضاة يصدرون الاحكام.
وما حدث في كارثة السيول، حدث أيضا في كارثة الدولار، الذي تتسابق الآن صحفنا ومواقعنا الاخبارية وفضائياتنا في تحديد أسعار له بالسوق السوداء وإعلانها، غير مدركة أنها لا تنشر حقائق وإنما تسهم هي الاخري في تشجيع السوق السوداء أو تشجيع تجارها علي زيادة أسعار الدولار فيها. وهذا سبق أن قام به الاعلام من قبل وهو يحدد زمنا أو يوما بعينه لتنفيذ تعويم الجنيه.. »التعويم المدار»‬ أو التخفيض لقيمته، غير عابئ بأن ذلك يسهم في زيادة أزمة الدولار وسعر صرف الجنيه المصري.
أذن.. الاخطاء المهنية بل والخطايا المهنية مستمرة رغم الترحيب الاعلامي الواسع بتحذيرات أستاذنا مكرم محمد أحمد في مؤتمر الشباب منها والموافقة الواسعة من قبل الاعلاميين عليها، لان كلاً منا اعتبر هذه التحذيرات ليست موجهة له وإنما هي تخص غيره من الاعلاميين والصحفيين.
ولعل ذلك يفسر لماذا يمارس الاعلاميون الاخطاء المهنية ضد زملائهم من الصحفيين والاعلاميين.
بالمحاسبة وليس المناشدة أو حتي التحذير سوف نتخلص من كثير من أخطائنا المهنية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف