الوطن
خالد عكاشة
مؤتمر شباب مصر.. مشاهد من بناء الجسور
تخصيص رئيس الدولة لثلاثة أيام «كاملة» من جدول عمله المتخم بالأعباء، وفق التفسير البروتوكولى والميزان الإدارى لعمل مؤسسة الرئاسة، هو الإشارة الأكثر دلالة واختصاراً لمدى اهتمام وحرص الرئيس على عقد هذا المؤتمر الشبابى، ومثل هذا التفسير هاجساً حقيقياً وأولياً لدى معظم المشاركين، فالتساؤل المبدئى كان عن جدية الحدث، والذى يليه امتد ليستكشف درجة عمقه إن وجدت، والإجابة فى كليهما كانت إيجابية ومبشرة من اللحظات الأولى، وربما سبق لحظات الانعقاد ملمح إضافى يصب فى خانة الجدية والعمق، تمثل فى توسع مقصود لدعوات المشاركة، التى قامت بالدعوة هى مؤسسة الرئاسة بذاتها، والتقطت تلك الإشارة وقوبلت بارتياح كبير من الجميع، فالتوسع فى شرائح الشباب ومثلهم من المتخصصين والصحافة والإعلام كان يترجم رغبة حقيقية لوجود الجميع، دون النظر إلى سابق مواقعهم من النظام الحالى أو أداءاتهم التى ربما يكون هناك بعض من الاختلاف عليها، ويمكن تسجيل هذا المشهد الافتتاحى كأول جسر تم تشييده للتقدم والعبور إلى مواقع جديدة.

بعد دقائق محدودة تلت الجلسة الافتتاحية كان الشكل العام للمؤتمر قد أفصح عن توجهه وأجندة عمله الرئيسية، الرئيس جاء لـ«يسمع» كل ما يريد الشباب أن يتحدث فيه، و«يتحاور» فيما يريد الجميع أن يطرحه للنقاش المفتوح، هذه الآلية وجد المسئولون أنفسهم داخلها وهم يجلسون على مقاعد الجمهور، فى الوقت الذى اعتلى المنصات الشباب وقليل من المتخصصين فى مجالات متنوعة، المحاور والعناوين امتدت لنحو 6 قاعات تعمل من الساعة التاسعة صباحاً وحتى التاسعة ليلاً، فضلاً عن القاعة الرئيسية، ثلاثة أيام على هذا النسق سمحت لكافة ما يتوقع أو لا يتصور من أحاديث وأطروحات وأسئلة أن يتردد، بالصورة التى يعن لأصحابها أن يتداولوها، مثّل هذا المشهد الجسر الثانى الذى حمل رياحاً صادقة وكاشفة، وتبين لمن تعرض لتلك الرياح وأولهم مسئولو الحكومة أن هناك الكثير كان يجب أن يقال، ومن الأهمية الاستماع لهذا الكثير والمتنوع والاشتباك معه بالرد والتفسير وإيراد وتصحيح الرؤى.

الجسر الثالث الذى ربما بدت ملامحه رويداً بعد مرور اليوم الأول تقريباً، عندما فطن الجميع أن حجم هذا الصخب الشبابى والجدال الصحى والمحاورات المدققة والمتصادمة، تدور جميعها تحت عنوان واحد «مصر»، وتمثلت مكونات هذا الجسر بدرجة وعى جمعى على درجة عالية من الأهمية، أن الوطن يستلزم العمل من أجل صياغته بالصورة التى ترضينا، كثيراً من الجهد ومزيداً من الوعى والحلم، وفى هذا بدا المشهد به العديد من الجوانب التى تدعو للانتباه، مؤسسة الرئاسة ممثلة فى الرئيس عبدالفتاح السيسى شخصياً لديه قدر عال من الوعى والهمة لتحمل تكاليف صناعة الحلم، والشباب فى المقابل يمتلك الروح والطاقة وشجاعة اقتحام المستقبل، لكنه ينقصه الكثير من وعى ومهارات تنفيذ هذا الاقتحام، برزت تلك الصورة فيما بدا من أداء الشباب الذين خضعوا لبرنامج التأهيل الرئاسى، حيث ظهروا بصورة متقدمة إلى حد كبير عن شرائح شبابية أخرى كانت ممثلة أيضاً، وهنا بدت أزمة التعليم الحديث والتدريب متكامل الأركان الذى يفتقده قطاع واسع من الأجيال الشابة، وقد تحدثت وتحدث غيرى للشباب بصورة مباشرة فى هذا الأمر، ونبهت لضرورة أن يعمل الشباب على نفسه تعليماً وتثقيفاً وتطويراً حتى يمكنه خوض منافسة مع نظرائه على مستوى العالم، فهؤلاء يعملون أيضاً لأوطانهم ويتطورون سريعاً، وصياغة الحلم وضمانة مقعد على تلك الساحة يستلزم من شبابنا جهداً ورؤية ما زال الكثير منهم يفتقدها، وفى ندواتى وورش العمل التى شاركت فيها بحكم تخصصى، طرحت أيضاً أن لهذا بعداً تحصينياً وحماية واجبة لشبابنا، لا سيما والنشاط الإرهابى المسلح والفكر المتطرف ذو الصبغة المعولمة، بالأساس يقوم ويتمدد على أكتاف الشباب ويستهدفهم بالدرجة الأولى، فهم الأقدر على حمل أعبائه، والمؤهلون، فى حال عدم انخراطهم فى مشروع وطنى جاد، إلى الدفع بهم فى أتون تلك المنظومة الجهنمية.

بقيت الحلقة الوسيطة ما بين رأس النظام والشباب المتمثلة فى أعضاء الحكومة، وهى الجسر الحتمى الذى يفترض أن يكون اتجاه السير عليه والتدفق فى الاتجاهين، تظل تلك الحلقة هى الأضعف وهى الأكثر وضوحاً لمكامن الخلل الساكن فيها، ليس الوزراء وحدهم أو بأشخاصهم بقدر ما بدت المنظومة الكلية تحتاج إلى إصلاحات هيكلية وعميقة، ففى حال الاعتماد عليها بهذا الأداء النمطى البطىء المفتقر للآليات الحديثة فكراً وتخطيطاً وإنجازاً، سيكون هذا الجسر صانعاً لكوارث حقيقية تتعلق بمستقبل هذا الوطن، فتعطل الجسر ما بين نظام قائم على ثورتين والمجتمع الذى يمثله شبابه هو تدمير خطير للبنات المستقبل الذى كنا نستشرف مكوناته طوال أيام ثلاثة، فحديث تفاوت السرعات ما بين طموحات الرئيس والأداء الوظيفى المترهل لدولاب الهيكل الإدارى، لا يمثل ثناء على قدرات الرئيس بقدر ما يشكل جرس إنذار، لكون الرئيس شخصياً هو من سيقدم كشفاً للحساب وسيتحمل فاتورة التعثر، فى مؤتمر الشباب وضحت المراهنة الرئاسية الصائبة على الفكر والجيل الجديد، وقدر الثقة بالرئيس وتوجهاته عاينها هو شخصياً وتابعها كل من حضروا، لذلك خطوات المقبل تستلزم العبور على الجسور الصحيحة، برفقة من هم قادرون على الوصول لمستقبل حقيقى بمفردات الحداثة والجودة والإتقان.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف