الأهرام
أشرف العشرى
طائف ليبى فى شرم أو أسوان
بعد حرب استمرت 15 عاما وقتل وجرح فيها أكثر من 400 ألف لبنانى وعرفت بالحرب الأهلية، نجحت المملكة العربية السعودية عام 1989 فى جمع كل الفرقاء اللبنانيين فى مدينة الطائف السعودية، وأغلقت عليهم الأبواب قرابة شهر كامل حتى استطاعوا التوصل لاتفاق الطائف، الذى أنهى جرم وبشاعة أفظع حرب فى المنطقة بدأت فى 13 أبريل عام 1975 على سفك دماء ولحم فرى بين الكتائب اللبنانية والفلسطينيين فى مخيم تل الزعتر.

الآن لماذا لا يعيد التاريخ نفسه وتنهض مصر بمسئولياتها بعد أن استعادت الاستقرار وزمام المبادرة وعادت دولة قوية فى الإقليم لها أذرع وأنياب لأقوى دبلوماسية فى المنطقة، وتكرس الجهد والحراك لوضع نهاية مماثلة للأزمة الليبية القاتلة بعد أن فشل المجتمع الدولى والإقليمى وسائر دول الجوار حتى منظمات الأمم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الإفريقى بامتياز. حيث يرى الجميع، خاصة نحن فى مصر تحت الرماد الليبى وميض نار وحرائق مشتعلة وتفجيرات ملتهبة وحقول جمر متفجرة، حيث حروب الخراب والتدمير والدمار وتصدير عصابات الإرهاب والموت والتفجيرات الجوالة لدول الجوار، تتوالى فصول خاصة بعد أن أصبحت ليبيا بالفعل منصات الانزلاق ضد مصر وعبر حدودها الى حقول الجمر المتفجرة.

وهذا أصبح أمرا فظيعا لا يمكن القبول به، أو الاكتفاء بإجراءات تأمين الحدود التى نجحنا فيها ببراعة وامتياز ولكن يحتاج الأمر الى كثير من الانغماس السياسى فى الملعب والساحة الليبية ببراعة المقاتل وحكمة وعبقرية المفاوض المصرى والدبلوماسى الداهية التى مازالت لدينا بقايا منهم فى غرف وزارة الخارجية، ويجيدون صناعة اللعبة واللاعبين حيث يجب أن يكون الإطار الحاكم لنا أن أزمة ليبيا كانت وستظل لها عواقب كارثية ونتائج مزلزلة على الأمن القومى المصرى لو استمرت عدة سنوات مقبلة بنفس السيناريوهات واللاعبين وفصائل الإرهاب الجوالة، التى تريد الإقامة طويلا على الجمر الليبي، وبالتالى بحكم حدود الجوار وطول حدود مصرية ـ ليبية تقدر بنحو 1200 كيلومتر لم ولن تعرف مصر أزمة حدودية فى قادم الأيام ودولة جوار بها كل التنوع من التفسخ والفوضى وتصدير الإرهاب بجميع أشكاله أكثر من ليبيا مثيلا الآن، خاصة بعد حرب أكتوبر عام 73 مع الكيان الإسرائيلي.

واكتب متشائما وأتمنى أن أكون مخطئا، ان كل هذا الوجود والحراك الدولى فى الملعب الليبى هو لأهداف أمنية وعسكرية فقط وهو بمثابة حرث فى البحر حيث الغالبية من هذه الدول تسعى وجود عسكريا وأمنيا فى المناطق الليبية من أجل حسابات خاصة ضيقة، إما لوضع اليد والاستحواذ على البترول الليبى فى مناطق الغرب، أو لمنع هذه التنظيمات والجماعات الإرهابية من إرسال وإيفاد عناصرها وأذرعها إلى دول المتوسط الأوروبى وخاصة تنظيمى داعش والقاعدة، ومن ورائهما جماعات أنصار الشريعة التى تملك كثيرا من المقاتلين فى ليبيا ودول تونس والجزائر.

ناهيك عن أن وجود عمليات الدول الغربية فى الملعب الليبى يهدف إلى منع تحول ليبيا إلى منصات للمقاتلين الأجانب فى تلك الدول، كما يحدث فى سوريا والعراق عبر الالتحاق بداعش، ومن ثم يعودون الى بلدانهم كالخلايا السرطانية النائمة لتفجير الأوضاع فى تلك الدول المتوسطية حال فشل بقائهم فى الفضاءات الليبية، وبالتالى هذه هى تلك الأسباب الحقيقية لوجود كل هذه الدول مجتمعة حاليا داخل الملعب الليبى دون امتلاك الرؤية وخريطة الطريق السياسية، لان مثل هذا الأمر لا يعنيهم كثيرا، فالمهم هو تأمين شواطئهم وحدودهم فقط فى هذه المرحلة.

ومن هنا مازالت القلوب الليبية معلقة والعيون شاخصة باتجاه البوصلة السياسية المصرية، حيث ترى الغالبية من الفرقاء الليبيين أن الكرة حاليا فى الملعب المصرى وأن الدولة المصرية ورئيسها ودبلوماسيتها التى مازالت فتية هى وحدها القادرة على صنع السلام وتأمين خطط استحقاقات الحل والتفاهم والتلاقى وصياغة القواسم المشتركة بين الليبيين بجميع طوائفهم ولاعبيهم وفرقهم وقبائلهم حاليا، حيث العلاقة بين البلدين والشعبين المصرى والليبى أبعد وأكبر من مجرد تفاصيل تكتيكية، وبالتالى فإنه حان الوقت لفتح النوافذ فى الجدران الليبية المسدودة، حيث يجب أن يكون شعار مصر القادم لليبيين ارفضوا السقوط وامنعوا انهيار الدولة بالضربة القاضية أو النقاط أيا كانت التحديات، وبالتالى لابد للمصالح بين الفرقاء هناك أن تتصالح خاصة بعد أن أصبحت بلدكم هناك على حافة الخروج من التاريخ وبات الجميع من شعبها فى الداخل والأغلبية التى فرت وتسكن الشتات والمنافى تتألم ويقتلها القهر السياسى كل ساعة وغالبيتهم هناك باتت تسمع كل يوم بكاء الخرائط وانهيار الحدود وتشم رائحة دموع القذافى فى قبره. وفى يقينى بعد فشل الجميع فى التعاطى مع الأزمة الليبية، لم يعد يتبقى إلا الدور والحراك المصرى عبر تجربة الطائف السعودية، حيث ان الليبيين أنفسهم قبل غيرهم يرفعون الصوت عاليا هذه الأيام يطالبون بطائف جديدة لأزمتهم، ومن هنا فرصة التحرك المصرى السانحة عبر تشكيل فريق عمل دبلوماسى وفى بعض الأجهزة السيادية التى على صلة بهذا الملف تتولى الاتصال والحراك باتجاه كل الفصائل والفرقاء الليبيين فى الداخل والخارج بمن فيهم جماعة حكومة الانقاذ الوطنى الغويل وشركاؤه المحسوبون على الإخوان والتنظيمات المتطرفة فى طرابلس لتحذيرهم بالتخلى عن مشاريعهم الهدامة وقطع خطوط التواصل أولا مع الأتراك والقطريين الذين يمدونهم بالمال والسلاح وقطع علاقاتهم مع الماضى البغيض والتخلى عن تلك الأفكار للإسلام السياسى وتسليم أسلحتهم والانضمام الى الفرقاء فى جماعات حكومة السراج وقوات المشير حفتر وكل القبائل حتى جماعة أحمد قذاف الدم وقبيلته وعشيرته فى سرت فى كامل ربوع ليبيا التى تستطيع مصر اقناعهم بالحضور الى شرم الشيخ أو أسوان لعقد طاولة حوار مغلقة بعيدا عن أعين الجميع بما فيها الإعلام، تستمر لمدة شهر أو أكثر وتفرض عليهم الإقامة الجبرية حتى يتوصل الفرقاء الليبيون الى حل سياسى نهائى مع البناء واستكمال الجهد لما تم فى الصخيرات وغيرها حتى تكتب النهاية السعيدة والمرتقبة لملف الأزمة الليبية، وليكن شعار الحراك المصرى إقناع كل الفرقاء الليبيين أنفسهم بالتخلى عن تصفية الحسابات وشيطنة الخصوم فيما بينهم، وأن تكون عقولهم وقلوبهم منفتحة باتجاه الحل المصرى وأن الشر الليبى لا ينقطع إلا بقتله وأن هذا الحلم الذى يبدو ترفا لا تقدر عليه إلا مصر مع الأخذ فى الاعتبار أننا فى مصر لم نعد نملك ترف التباكى والاستسلام للأحزاب على ما يحدث ويجرى فى ليبيا ولا بديل عن التحرك الآن وليس غدا، فالقادم فى ليبيا أسوأ.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف