عبد الجليل الشرنوبى
الهروب من سجن المستقبل إلى كوكب (المشترك)!
مقطع على (يوتيوب) حقق معدل مشاهدة يقترب من المليون، خلال الفترة من تاريخ بثه (11 أكتوبر 2016) حتى نشر هذه السطور، ولنكون أكثر تحديداً حقق المقطع عدد مشاهدات بلغ (944351)!. المقطع يحمل مشاهد من حفل (فرح) بدمياط، عدد الحضور يفوق بكثير الأعداد التقليدية في الأفراح، مقدم الحفل أو كما هو متعارف (النبطشي) يشتهر باسم (كتكوت)، وعبر البحث تكتشف أن هذا الكتكوت أحد نجوم عصرنا!، تفتش في تفاصيل مشهد الحفل سعياً للوصول إلى ملامح معينة لموسيقى أو غناء أو أي ملمح لبهجة ممزوجة بالفن، فلا تصل إلا لمشهد من حالة (سُطَلْ) جماعي حيث جمهور حولته الأدخنة والأجواء والإضاءة إلى جموع (زومبي) مشدوهة تتطلع إلى مسرح عليه (النبطشي كتكوت) الذي يتحدث بلسان أثقله ما تعاطاه، ليؤكد (النهارده 6 أكتوبر يا عم إنت وهوا، يعني أسطورة شعب، يعني الفرح ده هيدخل التاريخ، واللحمة بقت بتسعين جنيه، والناس طالِع xxx أبوها)!!
حاولتُ جاهداً بكل سبيل أن أستوعب ما الذي يسعى المناضل (كتكوت) ليوصله، خلال المشهد الذي يستمر قرابة خمس دقائق، أو أن أجد رابطا موضوعيا بين الموسيقى الجديدة التي يعزفها (محمد عبد السلام) على (الأورج)، وعلاقتها بما يقوله (كتكوت)، لكن النتيجة النهائية لمحاولة الفهم ساقتها إجابة (كتكوت) حين خاطب العازف قائلاً (إهدى عليا يا عم عبد السلام إنت رئيس كوكب المريخ وأنا زعيم كوكب المشترك). إنه التصريح الذي تكرر عدة مرات على مدىالمشهد، منتجاً اسماً جديداً لكواكب المجموعة الشمسية، وتوالت التصريحات التي لم تنقطع عنها أصوات الموسيقى الصاخبة ولا إيقاع الرقص من الحضور ولا انكباب عدد كبير من الجمهور على لف سجائر المخدرات.
كان لافتاً للنظر أن الجمهور الذي يفرش مساحة واسعة جداً من الأرض تسوده مرحلة عمرية لا تتجاوز الأربعين إلا بقليل وغالبيته من الشباب، بينما يتناثر الأطفال والصبية بين وحول الجموع التي تمثل عمرياً بالنسبة لأي وطن سواعد الحاضر التي تبني (المستقبل). ولنفس السبب عاد يلح على المشهد الآني، ذلك الخبر المرتبط بهروب مساجين بالإسماعيلية، وليست قضيتي هنا التداعيات الأمنية لمشهد الهروب، لكن ما يربط هذه المشاهد ببعضها هو اسم السجن (المستقبل)، وبالتأكيد من أطلق على سجن هذا الاسم كان من أبناء هذا الوطن وليس من مواطني كوكب (المشترك) بأي حال من الأحوال. وفي حوار مع صيدلي حول (أزمة الدواء)، اكتشفت أن هناك أزمات في نوعيات لا علاقة لها بسعر الدولار ولا أزماته، فأحد أنواع الفيتامينات التي تصنع محلياً وبسعر زهيد وتدعم بناء الجسم وتعوض نقص الفيتامينات في الغذاء وقصور البناء للعظام والأعصاب، اختفت من الأسواق فجأة ومثلها أنواع عديدة من المهدئات، وأخرى مرتبطة بمسكنات الآلام خاصة في حالات السرطان؟ إن هذه المشاهد عندما تتابع على الوعي الوطني بقسوة إيقاعها، تدعو للتَنَبُه التام لفداحة مخطط استهداف لبنات الوطن الأولية (المواطن الشاب)، الذي بات نتاجاً لسحق ممنهج تتضافر فيه جهودٌ عدة لتغلق في وجهه كل أبواب الأمل، ليصبح منذ نعومة أظفاره خاضعاً لمعايير حياة دينية وثقافية وتعليمية وعلاجية وأمنية وإعلامية يضع استراتيجيتها (كتكوت زعيم كوكب المشترك)، والذي من جانبه يحدد علامة الإيمان بـ (اللي يحب ربنا يرفع إيده لفوق)، ويعتمد آليات التقويم التربوية في المدرسة عبر (فعص رقاب التلاميذ بأحذية معلميهم)، والذي يعصر كل أمل في النجاة من العلل الجسدية والآلام المرضية بتعطيش السوق الدوائي من مكونات أساسية، والذي يعتمد العشوائية والمهرجانات كلون فني رسمي للمنتجات الفنية، والذي يختصر المنجز النسوي في حسناء تشجع فريقاً كروياً تحولت بمقومات حسنها إلى ضيفة لفقرات البرامج وصفحات الجرائد، والذي يقرر إنفاذ القانون عبر منظومة عقابية تحمل اسم (سجن المستقبل)!
إن هذا الواقع المعتم بتفاصيله الموجعة، ليس مجرد توصيف لوجع قدر كونه تكثيفاً للمشهد في مرآة المسئولية الوطنية، ليكون حجم المهمة أوضح في وعي كل مسئول على كراسي هذا الوطن، فإن الجبهة الداخلية التي خلفتها سنوات الفساد والإفساد، والتي أنتجتها معاول الاستبداد الموزعة بين سواعدٍ رسمية وأخرى تنظيمية، تدعونا لوضع استراتيجية إنقاذ وطنية عاجلة، تتحرر معها عقول الإدارة من تقليدية الحلول، وتتحلل معها من عقد البيروقراطية، وتتمرن مفاصلها على ردود الفعل البَنَاءَة لا المُسَكِنة، وتتجرد أبواقها الإعلامية من معايير السوق مؤمنة بأن المكسب البعيد أكثر استمرارية من مكاسب قريبة ستلتهمها نيران الفوضى التي يسهمون في صناعتها.
إن المستقبل أمانة إن لم نؤدها حقها، ستتحول إلى سجن عشوائي يأسر الجميع، وساعتها -لاقدر الله- سيكون من العسير أن نهرب منه إلى كوكب (المشترك)، لأن زعيمه (كتكوت) سيكون قد وضع شروطاً تعجيزيةً لدخول كوكبه على رأسها (رفض استقبال كل من كان يصدق أن كوكب المشترك كان اسمه المشترى)!