أحمد عبد التواب
الطبيعة بريئة من كوارث السيول..
تحاول بعضُ الأصوات أن تهوِّن من المسئولية عن كارثة السيول التى ضربت البحر الأحمر وبعض محافظات الصعيد، بالزعم بأنه لا قِبَل لأحد بغضب الطبيعة، وبالقول إن الأعاصير تضرب أمريكا نفسها وتُوقِع قتلى وتُحدِث دماراً! ولكن الواقع غير هذا! لأن نفس الإعصار الذى يودى بحياة أكثر من ألف مواطن بائس فى هاييتى هو ذاته الذى يتوجه إلى أمريكا بعد ساعات، وبنفس الشدّة أو أكثر، فلا يزيد عدد الضحايا عن مجرد آحاد! والفرق فى النتيجتين هو الفرق بين نظامين، يستسلم أحدهما للأمر، وينجح الآخر فى النزول بتوابع الكارثة إلى الحد الأدنى.
العلم هو سبيل النجاة من غضب الطبيعة. والحقيقة أن أجيال الآباء والأجداد فى مصر بذلوا جهوداً علمية خارقة حدَّدوا فيها بدقة مواعيد السيول والأماكن التى تضربها، وصمموا وأنشأوا المخرَّات التى تستوعب كميات المياه الهائلة وتتحكم فى مسار انحدارها حتى يأمن الناس من الكوارث. وكان المنتظر من أجيالنا أن تُكمل المهمة بإقامة سدود تحجز هذه الثروة المائية بدلاً من تركها للتبديد، وأما إذا تعذر، فعلى الأقل تأخذ بالتدابير اللازمة وتُكمل للمياه مساراً يأمن فيه الناس من توابعها. ولكن العكس هو الذى حدث! إلى درجة إهمال المخرات دون تطهير، وإقامة منشآت فى مسار الاندفاع الرهيب للمياه، وكأنه ليس هنالك خطر على الأبواب! وقد وصلت الخسائر المادية إلى نحو 55 مليون جنيه، وكان يمكن بهذه الأموال أن تُقام احتياطات تقلل من الخسائر, وأما الفجيعة فى القتلى فلا يمكن أن تُقدَّر. بما يعنى، وبالحساب المادى الفج، أن الصرف على الحمائيات أقل تكلفة.
وأما ما ينبغى الإشارة إليه والإشادة به بكل السبل فهو هذه البطولات الخارقة التى قام بها بعض المواطنين العابرين فى إنقاذ حياة الكثيرين، بشجاعة أسطورية، إلى حد أن بعض هؤلاء الأبطال دفع حياته وهو يسبح فى خضم السيل لينقذ من يتعرضون لموت محقق. وهو ما ينبغى أن يحظى بتقدير رسمى وبقرارات عملية لمصلحة ذويهم بعد أن فقدوا عائلهم.