محمد صلاح البدرى
سقطة «الثلاجات الممتلئة»!
ربما اعتقد الكثيرون أن الأمر أقل أهمية مما يبدو عليه.. وأن القصة قد لا تستحق أن نذكرها من الأساس.. فقد انتهت بعد ساعات من بدايتها.. وبعد اعتذار الوزير السعودى السابق، وأمين عام منظمة التعاون الإسلامى «إياد مدنى» عن مزاحه السخيف الذى تلفظ به بشأن ثلاجة الرئيس المصرى.. خلال كلمته فى افتتاح مؤتمر الإسيسكو بتونس.. وما أعقبه من «استقالة لأسباب صحية»، كما تم الإعلان عنه فى البيان الرسمى.. أو لأسباب أخرى نعرفها جميعاً لم يتم ذكرها.. ولكننى أعتقد أن الأمر أعقد من هذا بكثير..!
فى البداية ينبغى أن نوضح أن الأمر قد صار سخيفاً بالفعل.. فالتصيد فى مفردات اللغة.. واستخدام صيغ المبالغة التى استخدمها سيادة الرئيس -للتعبير عن ضيق الحال الذى كان يعانى منه- للسخرية من كل من يظن فى نفسه خفة الدم.. قد أصبح مثيراً للضجر..!
لقد كان حديث الرئيس خلال فعاليات مؤتمر الشباب حميمياً.. كان يحاول أن يضرب مثلاً للشباب عن احتماله لضيق الحال الذى مر به فى بداية حياته.. وعزة نفسه التى منعته -وهو من أسرة ميسورة- طلب المساعدة من أهله فى ذلك الوقت..! وأنا أصدقه فى ذلك.
لم يكن السياق فى خطاب رسمى.. أو فى مناسبة دولية ليحرص الرئيس فيها على ما يتفوه به.. لقد كان يخاطب أبناءه من الشباب.. فكان بسيطاً غير متكلف.. لا ينتقى كلماته.. ولا يحرص على الالتزام بمفردات رسمية جافة!!
أعرف أنه ربما يحتاج لأن يصبح أقل حميمية فى حديثه الارتجالى.. هذه حقيقة.. فليس كل من يستمع إليه سيقدر تلك الصراحة أو هذا الصدق.. ولكن الأمر فى مجمله لم يكن ليخرج عن مجرد طرفة نبتسم عليها قليلاً.. أو ربما نؤكد بها ما نشعر به إزاء ذلك الرجل من طيبة وبساطة.. وربما تداولها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعى.. أو استخدمها معارضيه سبيلاً للتعبير عن رفضهم استمراره.. ولكن الأمر تجاوز هذا بكثير هذه المرة!!
فعلى الرغم من أنها ليست المرة الأولى التى يستخدم فيها السيد الرئيس أسلوباً بسيطاً فى حواره أو كلماته.. ولكنها المرة الأولى التى يكتشف فيها مسئول «غير مصرى».. أن فى كلمات السيد الرئيس ما يتيح له التندر..!
لقد أظهر المزاح السخيف الذى استخدمه الوزير السعودى السابق ما تعتمل به نفوس البعض فى المنطقة وخارجها -وخاصة من داعمى الإخوان مثل هذا «الإياد»، أمين منظمة التعاون الإسلامى وذراع القرضاوى اليمنى- عن الموقف المصرى إزاء القضايا الإقليمية المطروحة مؤخراً.. وخاصة القضية السورية!
لقد أوضح مدى الغضب الذى يعتمل فى نفوس البعض من استقلال الموقف المصرى عن الجميع.. الذين يظنون أنهم يتحكمون فى الموقف العربى كاملاً.. الذين يملكون أهدافاً سياسية تختلف عن التحيزات المصرية هناك!
فقد أقرت الدولة المصرية بمسئوليتها عن الشعب السورى أولاً.. وهو موقف مشرف ينبغى أن نفخر به جميعاً.. ويحسب للنظام بشدة.. وخالفت رغبة الكثيرين فى تمكين السيطرة لفصيل بعينه دون اعتبار لأرواح المواطنين على الأراضى السورية..!
المشكلة أن الموقف قد صادف هوى لدى البعض أيضاً من داخل الدولة المصرية.. والذين لا يرون سوى السخرية سبيلاً لإظهار معارضتهم للنظام.. وكأنهم لا يعلمون -أو يعلمون جيداً- أن الانتقاص من هيبة الرئيس هو انتقاص لهيبة الدولة كلها.. وكأنهم فى سبيل معارضتهم للنظام لا يرون ضيراً فى النيل من الدولة نفسها!
لقد قدم الوزير السعودى السابق اعتذاراً «شخصياً» عن مزحته السخيفة -قبل أن يستقيل بعدها مرغماً- بعد أن لاقى هجوماً شديداً عليه فى مواقع التواصل الاجتماعى.. بل وبعد أن تبرأ منه مواطنوه من السعوديين أنفسهم- والذين احترموا مصر ورئيسها.. وقدروا غضبنا على هيبة الرئيس التى لا تحتمل أن يتندر على كلامه أحد.. وأعلنوا أن المسئول السعودى السابق لا يمثلهم -وهو ما يستحق الإشادة- ..!
لقد أدرك «مدنى» أنه لا مكان للمزاح فى عالم السياسة.. وأن المصريين مهما حدث.. ومهما اشتد الخلاف بينهم.. فلن يقبلوا بأن يتجاوز أحدهم مع رئيس الدولة.. كما أدرك جيداً أنه ليس خفيف الدم ليقبل أحد منه التندر أصلاً.. واستوعب جيداً أنه حين يتكلم عن مصر ورئيسها.. فينبغى أن يقول ما يليق بها وبه.. أو ليصمت.. وهو أفضل كثيراً.
ربما احتاج هؤلاء الذين فرحوا وهللوا لذلك السعودى أن يراجعوا ثوابتهم الوطنية.. فمهما كان موقف البعض من النظام.. ينبغى أن يدرك الجميع أن هيبة الرئيس من هيبة الدولة.. وأن معارضة النظام لا ينبغى أن تتجاوز لتصل إلى المساس بهيبة الوطن!!
أفيقوا يرحمكم الله..!