الوطن
محمود البرغوثى
الإنتاج قبل الخدمات.. والزراعة هى الحل الأمين والسريع للأزمة الاقتصادية
ليس مهماً أن يكون رئيس الدولة مهندساً زراعياً، كى يقود مصر على طريق سد فجوة غذائية قوامها 65%، لكن المهم أن يكون لديه مستشار زراعى فنى مؤتمن، يذكره دائماً بأهمية الإنتاج الزراعى والحيوانى والداجنى والسمكى، والصناعات القائمة عليه، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وليس فنياً فقط.

المستشار الزراعى المؤتمن، سيضاعف ثقة الرئيس فى كتيبة الفلاحين والمنتجين الزراعيين، ليتأكد الرئيس من أن مشكلة مصر الآنية، فى تراجع الإنتاج، وأن الاستثمار فى الإنتاج أولى كثيراً من نهضة العقارات الفارهة والمولات الفاخرة، والمقاهى والمطاعم ذات الأسماء الأجنبية، التى تتبارى عليها أسماء معدودة، ولا تغرى سوى حزمة الـ5% المترفة من شعب مصر.

المستشار الزراعى المؤتمن، سيطلع رئيس الدولة على خريطة مصر الزراعية والمائية الجوفية، ويسرد له تاريخ الزراعة فى مصر، منذ نهضة محمد على (1805- 1848)، حتى الانتكاسة التى أصابتها بعد 2004، كما سيقدم له تحليلاً مقارناً بين ما تنتجه أرض الوادى والدلتا اليوم، وما كان مخططاً له قبل 2004، ليتبين للرئيس أن خيبة الإنتاجية الزراعية بالذات، خلال الأعوام الـ12 الماضية، كانت سبباً رئيسياً فى تراجع مؤشر الاقتصاد المصرى، حين اختل الميزان التجارى بين ما ننتجه للاكتفاء والتصدير، وما نستورده للاستهلاك، كما سيوضح له أنه لولا البحوث الزراعية فى مركزها الرسمى، أو كليات الزراعة، أو المركز القومى للبحوث، لارتفعت الفجوة الغذائية فى مصر إلى 90%.

ليس مهماً أن يعرف الرئيس فقط أن المساحة الزراعية فى مصر الآن ضيقة وتبلغ نحو 9 ملايين فدان، لكن الأهم أن يعرف أن منها أكثر من 6 ملايين فدان (قديمة) هدمتها الأسمدة الكيماوية، ودمرها سوء مجارى الرى والصرف، ما جعلها بيئة صالحة لتكاثر الأوبئة البكتيرية والفطرية الضارة، التى حرمتها ميزة التصدير.

كانت مهمة المستشار المؤتمن، أن يقنع الرئيس بعدم جدوى التوسع الأفقى الزراعى بأربعة ملايين فدان مرة واحدة، فى ظل الفقر المائى والوهن الاقتصادى الحالى، لكن كان من الأجدى أن يطمئنه إلى توافر برامج علمية وطنية سهلة التنفيذ، لصيانة 6 ملايين فدان، لرفع إنتاجية القمح إلى متوسط 24 أردباً بدلاً من 18، والذرة بنوعيها إلى 28 أردباً بدلاً من 22، والأرز إلى 4.5 بدلاً من 3.5 طن، والبرسيم بنسبة 40 ‎%‎، لتكون نسبة الزيادة العامة 30 ‎%‎، أى بما يوازى إنتاج نحو 1.8 مليون فدان، بمدخلات الإنتاج ووحدة الأرض ذاتها.

كان دور المستشار الزراعى المؤتمن، أن يلفت نظر الرئيس، إلى أن مصر فى حاجة ماسة وسريعة إلى برنامج وطنى لتسريع عجلة الإنتاج التى تعطلت فى أعقاب ثورة 25 يناير، فأغلقت بسببها آلاف المصانع، وتشرد آلاف العمال، وتجمد الاستثمار فى محطات الفرز والتعبئة من أجل التصدير.

ليس عيباً أن يلفت المستشار الزراعى المؤتمن، نظر رئيس الجمهورية، إلى الوجه الحقيقى لصورة المنتجين الزراعيين الكبار ورجال الأعمال الحقيقيين، بدلاً من وصفهم جميعاً بأنهم «حرامية وفاسدون» حيث يجسد الوجه الحقيقى لصورة معظمهم، حجم التنمية، وعدد العمال، والمسئوليات المجتمعية التى يحملها هؤلاء، وكان من نتيجتها أيضاً قيماً مضافة إلى كفة الميزان التجارى المصرى، بصادرات زراعية وغذائية، بلغت نحو 4.7 مليار دولار عام 2015، قابلة للزيادة بنسبة 20% فى 2016.

الإنتاج ليس الحصول على ثمرة الزراعة فقط، سواء فواكه أو خضراوات، أو دواجن ولحوم وأسماك، وإنما استكمال المنظومة الإنتاجية بالتصنيع الزراعى، فى كل المجالات، سواء التجفيف، أو التجفيد، أو التعليب، أو العصر، أو تصنيع مجزءات الدواجن، أو تجهيز اللحوم من مشاريع الإنتاج الحيوانى، أو تصنيع ثروات المياه من الأسماك والطحالب.

(إنتاج الغذاء)، الشغل الشاغل حالياً للمجتمع الدولى، للقضاء على الجوع، ومصر الأولى بين دول العالم، فهى تملك رصيداً من الخبرات المتراكمة فى مجال الفلاحة، يصل إلى أكثر من سبعة آلاف عام، كما أنها حظيت منذ أكثر من 20 عاماً بكتيبة كبيرة من المنتجين الزراعيين الكبار، الذين استوردوا الخبرات والتكنولوجيا والأصناف النباتية، (شتلات وبذور) ذات الإنتاجية العالية التى تصل إلى 45 طن خيار لفدان الصوب، و50 طن طماطم للفدان، و25 طناً للبطاطس، و30 طناً للموالح.

استثمار الخبرات المتراكمة، والرصيد العاطفى لحب المصريين للأرض والفلاحة أو الزراعة بجميع أنواعها، (نبات، دواجن، ماشية، وأسماك)، يضمن خفض فاتورة استيراد الغذاء تدريجياً، حتى يمكن الاكتفاء الذاتى فعلاً بحلول عام 2030، وهو الموعد الذى أعلنته الأمم المتحدة عاماً لتحقيق استراتيجية التنمية المستدامة، والقضاء على الجوع فى العالم.

ليس مهماً أن نتوسع أفقياً بعدّاد المليون فدان، لكن المهم أن نتوسع رأسياً بعدّاد الطن والأردب والقنطار، مع ثبات عوامل الإنتاج (البحوث، الإرشاد، الأرض، العامل، المياه، والسماد)، ثم الاهتمام بالتصنيع الزراعى لتحصيل القيمة المضافة، مع أهمية أن تضع الدولة خطة لاستصلاح 100 ألف فدان سنوياً فقط، لحفظ حق الأجيال المقبلة فى فرص عمار الأرض.

إعادة الاهتمام بالزراعة، يعنى إنتاج محاصيل الأعلاف، والمحاصيل السكرية، والمحاصيل الزيتية، وفى الأولى حل لمشاكل نقص البروتين الحيوانى فى مصر وخفض تكلفته للمستهلك، وفيها أيضاً رفع لمؤشر منتجات الألبان والجلود والصوف، والصناعات القائمة عليها، وفى الثانية رفع إنتاجية السكر فوق خط الاكتفاء الذاتى ثم التصدير، أما الثالثة فمسئولة عن خفض فجوة زيت الطعام التى وصلت إلى نحو 93%، منذ أهملت مصر زراعة القطن وعباد الشمس والصويا، وفق خطة دخيلة ممنهجة.

أما صناعة الدواجن، التى كاد أن يقضى عليها خالد حنفى وزير التموين السابق، وأنقذها الرئيس «السيسى» فى الرمق الأخير، فلا حرج فى رسم خريطتها جيداً أمام رئيس الجمهورية، حيث إن مصر التى وصلت قبل 2006 إلى حد تصدير بيض التفريخ، والدجاج اللاحم إلى أكثر من 22 دولة عربية وأفريقية، ليست عاجزة عن استعادة تاجها المفقود فى هذا المجال، استثماراً لعمالة مدربة قوامها نحو 3 ملايين عامل، وإحياء لاستثمارات مالية تقدر حالياً بنحو 40 مليار جنيه، وفقاً لسعر الصرف الرسمى الحالى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف