دائماً أخشى من النزول الكثيف للشوارع، لأى سبب كان، التجربة أثبتت صواب هذا التصور، هناك المسجلون خطراً، أعدادهم فى مصر تصل إلى نحو مائة ألف شخص، بخلاف الخطرين من غير المسجلين، وهم أكثر من سابقيهم، هؤلاء وأولئك استغلوا الموقف فى السابق أسوأ استغلال، هناك كذلك من ليسوا ظاهرياً فى عداد الخطر، إلا أنهم أشد خطراً، هؤلاء فى شكل جماعات ثورية، رددوا فى السابق «عايزينها تخرب»، للأسف عمدوا إلى التخريب فى وضح النهار، كما حدث مع حرق المجمع العلمى وغيره، التقطوا صوراً تذكارية مع الحرائق، بل استغلوا البلطجية للقيام بهذا الدور فى مقابل مادى، هناك أيضاً اللصوص، الذين يستغلون هذه المواقف، أطلق عليهم الرئيس الراحل أنور السادات «الحرامية» خلال انتفاضة ١٩٧٧.
من الذى يستطيع إنكار أن جميع هؤلاء كانوا متواجدين بقوة خلال أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١، استعانت بهم الأجهزة الرسمية، كما التنظيمات الثورية سواء بسواء، هناك من بينهم من تركوا أعمالهم التى تدر عليهم دخلاً يومياً أقل مما كانوا يتقاضونه فى ميدان التحرير، أو غيره من المواقع، لم يكونوا جميعاً من القاهرة، هناك من جاءوا من الأقاليم، من كل المحافظات بلا استثناء، هناك أيضاً النشنجية، أو القناصة، الذين لم يكشف النقاب عنهم حتى الآن، الأكثر من ذلك، وهى الكارثة الكبرى، من كانوا من خارج مصر، إسرائيليون وأوروبيون وأمريكيون، للأسف تم تسليمهم فى النهاية لبلدانهم، بقرارات معروفة، لم تتم محاكمة المسؤولين عنها.
من الآخر، الأوضاع تخرج عن السيطرة فى معظم الأحوال، بالتأكيد هناك من يريدونها أن تخرج، إلا أن أى ضمير وطنى يجب أن يرفض هذا الطرح، مع الأخذ فى الاعتبار أن التغيير فى مصر، على امتداد تاريخها الحديث على الأقل، لم يأخذ وضعاً ثابتاً أبداً، أو بمعنى آخر لم يحدث أن تكرر نفس الحدث بنفس الصيغة أو السيناريو، طريقة الإطاحة بالملك فاروق لم تكن نفس طريقة نهاية حكم عبدالناصر، كما لم تكن نفس نهاية السادات، كما لم تكن نفس نهاية حقبة مبارك، كما لم تكن نفس طريقة الإطاحة بمحمد مرسى، بالتالى فإن ٢٥ يناير ٢٠١١، أو حتى ٣٠ يونيو، كما ٣ يوليو ٢٠١٣ أصبحت جميعها من الماضى، أو هكذا يجب أن ندرك ذلك، لنبحث إذن عن طرح جديد.
لو أمعنا النظر قليلاً لوجدنا أن للعناية الإلهية الدور الأكبر فى كل هذه الأحداث، ربما كل الدور، وما نراه من فعاليات مجرد أسباب، ليس معنى ذلك الاستكانة للظلم هنا أو هناك، أو الخضوع لهذه الديكتاتوريات أو تلك، إنما هو العقل والحكمة، واختيار التوقيت، هناك من الأنظمة الديكتاتورية فى العالم من كان إسقاطها خارج إطار أى حسابات، إلا أن هشاشتها لحظة السقوط لم يتصورها عقل، أيضاً، وهذا هو المهم، أن هناك من الأنظمة من تساهم مساهمة فعالة فى إسقاط نفسها بنفسها، دون أى تدخل شعبى أو خارجى، وذلك بفعل ممارساتها الغبية اليومية، فتصبح المسألة متعلقة بالوقت ليس أكثر، وهذا ما يجب أن نعيه الآن.
أتحدث هنا عن الدعوات للنزول فى ١١/١١، رغم أنى لا أستبعد كونها عملية وهمية مصطنعة، وأن هذه الدعوات للتغطية على أوضاع بعينها اقتصادية وسياسية، يعانى منها المجتمع الآن، ذلك أنى لم أستطع التوصل إلى من يقف وراء هذه الدعوات، ولا الهدف منها، رغم أن الذرائع فى ذلك كثيرة، والأسباب مبرَّرة، بدءاً من ارتفاع الأسعار، وانتهاءً بانتهاكات حقوق الإنسان، وما بينهما كثير، إلا أننا سوف نتعامل مع ظاهرها، التجربة أثبتت أنه ما هكذا تورد الإبل، بدليل ما نحن فيه الآن، التغيير منذ ٢٥ يناير ٢٠١١ كان للأسوأ فى كل المجالات دون استثناء، نتيجة انعدام الرؤية المسبقة للأحداث، أو لنتائجها، ونتيجة عدم وجود الرأس، ربما الأمر الآن أكثر تخبطاً من ذى قبل، الثقة أصبحت مفقودة فى كل القوى السياسية دون استثناء، كل الكوادر، كل الرموز، الأسباب فى ذلك أيضاً كثيرة، بعضها بفعل فاعل، ومعظمها من فعل أنفسهم.
الأهم من ذلك هو أن النظام السياسى فى ٢٠١١ لم يكن يمانع فى نزول الناس إلى الشارع، لم يكن يمانع فى التظاهر، لم يكن يمانع فى الاحتجاجات شبه اليومية، على الرغم من أن قانون الطوارئ كان يمنع ذلك، الأمر الآن مختلف من كل الوجوه، كل شىء ممنوع تقريباً، السجون والمعتقلات أصبحت كاملة العدد، هناك أخرى فى الطريق، فى دلالة واضحة على أن النية سيئة، حتى لو كانت الاحتجاجات على أبسط الحقوق، كما حدث مع المحتجين على التنازل عن جزيرتى البحر الأحمر، أضف إلى ذلك أن الرئيس الأسبق، حسنى مبارك، قد تنحى فى النهاية عن الحكم طواعية، إدراكاً منه لخطورة الموقف، بل رفض مغادرة البلاد، اعتقاداً منه بأن لا يوجد هناك ما يشينه، الأمر الآن مختلف أيضاً من كل الوجوه.
يجب الأخذ فى الاعتبار أيها السادة أن الدولة المصرية قد خسرت الكثير بسبب الأحداث السابقة المشابهة لما يتم التفكير فيه الآن، خسرت الاحتياطى النقدى كاملاً، خسرت الدخل السياحى كاملاً، خسرت إغلاق ٤٥٠٠ مصنع، خسرت هروب المستثمرين، خسرت تهريب الأموال، خسرت وقف عجلة الإنتاج، خسرت نحو ٥٠ مليار دولار مساعدات خارجية، خسرت بسبب الإرهاب المتنامى فى سيناء، خسرت الأمن والأمان، خسرت الآن تحويلات المواطنين العاملين بالخارج، خسرت أكثر من ٨٠٠٠ نفس بشرية، بخلاف المصابين، وهذا هو الأهم، قبل أن تخسر فى النهاية عملتها المحلية، أو الجنيه الذى عاش على مدى تاريخه شامخا بين أقرانه من العملات الأخرى.
أعتقد أن الأمر يحتاج إلى مزيد من التفكير فى كل شىء، وكفانا ما نحن فيه من مِحن حياتية يومية، مع الأخذ فى الاعتبار أن الله سبحانه وتعالى بالغ أمره، وحسبنا الله ونعم الوكيل.