لا أعرف إن كان هناك شخص آخر قد استعمل تعبير «العدالة الثقافية» قبل حلمى النمنم، وزير الثقافة، أم لا. لقد أعجبنى كثيرا هذا التعبير، الذى ذُكر بأكثر من معنى، أولها العدالة بين الأشكال المختلفة للأعمال الثقافية، أى المسرحيات والأفلام السينمائية والكتب والفنون التشكيلية... إلخ، والمعنى الثانى يتعلق بالأطر التى يقدَّم من خلالها الإبداع والإنتاج الثقافى، مثل المسارح ودور السينما وقصور الثقافة والمنتديات الخاصة والعامة والمهرجانات الثقافية... إلخ، غير أن المعنى الثالث الذى لفت نظرى- وأحمد لحلمى النمنم كثيرا اهتمامه به- هو العدالة الإقليمية، أى بين الأقاليم المختلفة فى الوصول إلى الخدمات والأنشطة الثقافية، ففى مقدمة سمات الحياة الثقافية المصرية أنها تكاد تقتصر فى غالبيتها الساحقة على العاصمة، أى القاهرة، بما لا يقل عن 90%، ومعها ربما الإسكندرية فقط لا غير، وتتوزع النسبة الضئيلة الباقية على كل محافظات مصر، أى أن وزارة الثقافة، مثل وزارات أخرى، تكاد تكون «وزارة ثقافة القاهرة»! فالمسرحيات والأفلام والمهرجانات ومعارض الكتب تتركز غالبيتها العظمى فى القاهرة، وقد كانت- ولاتزال- تلك المركزية المفرطة فى مقدمة آفات الحياة العامة فى مصر بكل أشكالها، وفى المقدمة منها الحياة الثقافية. ومع أن قصور الثقافة لعبت فى فترة معينة قصيرة دورا مهما فى التخفيف نوعا من تلك الحالة، فإن التحطيم الجاد والنهائى لتلك المركزية الثقافية مرتبط فى النهاية بتحطيم المركزية الإدارية. إننى أتساءل مرة أخرى: كم محافظة فى مصر توجد بها دار للأوبرا (غير القاهرة والإسكندرية ودمنهور)؟ وقد سمعنا أن هناك دارا للأوبرا يجرى بناؤها فى الأقصر.. ولكن لماذا لا نطمح إلى وجود دور للأوبرا فى كل المحافظات؟ لماذا لا تكون لدينا أوبرا طنطا وأوبرا شبين الكوم وأوبرا بنى سويف... إلخ، لماذا لا يكون فى كل محافظة أكثر من مسرح والعديد من دور السينما والمعارض الفنية ومعارض الكتب؟ أعلم أن المسألة أعقد بكثير من تلك الأحلام، ولكن تحقيقها فى نظرى مرهون بالتوجه الجاد نحو لامركزية حقيقية، تُسهم بشكل أكثر فاعلية وجدية فى رفع المستوى الاقتصادى والتعليمى فى كل محافظات مصر، وتتحقق معها- وبها بالضرورة- العدالة الثقافية التى يحدثنا حلمى النمنم عنها.