عباس الطرابيلى
المحليات أيضاً مسؤولة عن الكارثة
فى قضية السيول، وما حدث فيها وبسببها، أخطأت المحليات مرات عديدة!! والمحليات هنا هى: مجالس المدن.. ومجالس القرى.. والمجالس الشعبية المحلية.
إذ هذه كلها مسؤولة عن إصدار تراخيص البناء.. وبدون هذه التراخيص لا يستطيع أى عقار «رسمياً» توصيل الكهرباء ومياه الشرب.. أقصد أن هذه المحليات سمحت وأصدرت تراخيص بناء على مخرات - أى ممرات - السيول، أو على حواف الوديان المجاورة لمخرات السيول، أو مهابط الجبال.. وهى حتى إن لم تصدر هذه التراخيص فإنها لم تتحرك - من البداية - وتتصدى لعمليات البناء المخالف فى هذه المناطق وهى وإن حررت محاضر للمخالفين بالبناء على هذه المناطق.. لا تتحرك لتنفيذ قرار واحد بالإزالة.. تماماً كما تفعل المحليات فى المدن الكبيرة والعواصم، إذ تكتفى بتحرير المحاضر.. وكأن ذلك هو كل دورها.. إلا «لمن دفع»، نقصد من يفتح مخه.. وكما نجد بناء عقارات مخالفة.. حتى على أرض الدولة والأوقاف، وكما نجد من يضيف أدواراً أخرى فوق العقار.. نجد من بنى مسكنه فى مخرات السيول دون اعتبار لأى مخاطر قادمة.. مع أول سيل عرم يضربها.
وإذا كان من بنى - داخل ممرات السيول - صغير السن لا يعلم أن السيل قادم، ولو بعد عشرات السنين، فلماذا لم يستمع لكلمات كبار السن الذين عرفوا ونفذوا وصايا العواجيز، بعدم البناء على ممر السيل. لأن عنف مياه السيل يقتلع حتى الصخور ويتلاعب بسيارات النقل، وليس فقط بسيارات الركوب.. يتلاعب بها كأنها لعب من بلاستيك.. صينية الصنع.. ومسؤولية المحليات هنا مضاعفة.. لأن عندها خرائط مخرات السيول، فى كل مجلس مدينة، أو قرية، إلا إذا كانت الفئران قد أكلتها.. تماماً كما أكلت ذمم كثير من العاملين فى هذه المحليات، وكله من أجل «الأبيج»!
نقول ذلك لأن من يمنح التراخيص سوف يرحل إلى موقع آخر، وبالتالى لن يتعرض للعقاب. ولذلك يتصارعون من أجل العمل فى هذه المحليات. لاحظوا أن معظم الأضرار التى وقعت نتيجة للسيول، وبالذات فى رأس غارب، أى على البحر الأحمر.. أو فى سوهاج وغيرها، التى تعرضت للسيول المندفعة من المنحدرات الغربية لجبال البحر الأحمر، معظمها فى المناطق التى يخترقها أى سيل، أو على حواف الوديان، بحيث إذا جاء السيل مرتفعاً تجاوزت أخطاره الممر الطبيعى للسيل، أى المخر المعروف، وامتدت إلى ما حوله.. ومن هنا كان العواجيز يعرفون هذه القواعد.. فلا قوة على الأرض أقوى من اندفاع المياه!!
وتقاعست المحليات التى شاخت عن إعادة النظر فى التراخيص بالبناء التى صدرت فى السابق.. ولسان معظمها: ليس فى الإمكان أبدع مما كان.. ونحن لسنا مسؤولين عما سبق من قبلنا.. وتكاسل الكل، إلى أن جاءت الواقعة لأن معظمهم يعشقون المكاتب.. ولا يعرفون أهمية العمل الميدانى.
وكان أولى بالعاملين فى المحليات، فى الأماكن التى أغرقتها السيول، أن ينطلقوا - خارج مكاتبهم - إلى مخرات السيول المعروفة، ليراقبوا ويكشفوا كل ما تم أو سبق بناؤه من أى مبانٍ، ويحذروا الناس من مخاطرها، وضرورة إزالتها.. لأن المياه تقتلع حتى الصخور.. بل والسدود الضعيفة، أو التى لم تشهد عمليات صيانة منذ أمد بعيد.
والمؤلم أن الحكومة نفسها أقامت العديد من المبانى الحكومية على هذه الممرات المائية من مدارس وعيادات.. بل ورصفت طرقاً دون عمل حسابات لبناء جسور «قوية ذات قواعد شديدة الصلابة» فوق المناطق المنخفضة ولم تهتم بتطهيرها وإزالة أى معوقات ترسبت فيها من سيول سابقة.. حتى تنطلق المياه دون أى عائق.. والمؤلم أيضاً أن الدولة - وافقت - والمحليات أيضاً - على إنشاء العديد من المنشآت السياحية على أرض هى جزء من مخرات السيول!! وشملت هذه المنشآت قرى سياحية بالكامل.. أو أماكن للترفيه من مقاهٍ أو حتى مخيمات يعشقها السياح.. أى أن جريمة المحليات مركبة.. شديدة التعقيد.
** هنا لابد من العقاب، حتى ولو رحل من تسبب فيها.. ويجب ألا تسقط هذه العقوبات ولو بالموت.. ذلك لأننا أصبحنا شعباً يهوى الخطأ.. ويعشق السكوت عليه.. ولا يلجأ أبداً للعقوبات.
** هنا أناشد الدكتور أحمد زكى بدر، وزير التنمية المحلية، أن يصدر أوامره بفتح ملفات مخرات السيول فى كل مدن وقرى ونجوع مصر، وأن يتعاون مع المحافظين لإزالة كل ما أقيم عليها، مهما كان حجم ما أقيم.. وعلى المحافظين أن يتعاونوا جادين فى تلك المهمة.. حتى نحمى الناس وممتلكاتهم من الدمار.
** بشرط أن تتعاون - فى هذه المهمة - وزارات الإسكان والسياحة والموارد المائية.. فالقاعدة تقول: قيراط واحد من اليقظة يوفر لنا 24 قيراطاً مما تدفعه الدولة تعويضاً.. وكفى صرخات المطحونين.
وللمرة الألف أناشد الدكتور أحمد زكى بدر أن يسرع بإصدار القانون الجديد للمحليات، ولكن بعد تشديد العقوبات على المرتشين.. والمخالفين، وألا تسقط هذه العقوبات بمضى المدة أو حتى بالوفاة.