اسماء الحسينى
أفريقيا والجنائية الدولية
سارعت ٣ دول أفريقية هى جنوب أفريقيا وبروندى وجامبيا مؤخرا للانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية، التى تأسست عام ٢٠٠٢ وكانت
أملا وحلما للشعوب المهضومة حقوقها فى تدعيم العدالة الدولية وردع ومحاسبة منتهكى القوانين والمواثيق الدولية ومرتكبى جرائم والإبادة الجماعية وعدم السماح بالإفلات من العقوبة، إلا أن هذه المحكمة حادت عن الطريق المرسوم لها، وركزت فى تحقيقاتها على أفريقيا، وأغفلت الجرائم الكبرى بحق الشعب الفلسطينى ومسلمى الروهينجا وفى العراق وسوريا وليبيا واليمن وأفغانستان والصومال وغيرها، كما لم تمتثل كل من واشنطن وموسكو وعواصم كبرى أخرى للتصديق على ميثاقها، وظلت إسرائيل بعيدة عن تحقيقاتها. من الواضح أن هناك ثغرات كبيرة فى عمل المحكمة الجنائية، وازدواجية فى تطبيق معاييرها، كما أن المحكمة ظلت أداة سياسية لتنفيذ أجندات الدول الكبري، وليس أدل على ذلك من قضية دارفور، التى استخدمت كورقة ضغط على نظام الرئيس السودانى عمر البشير لفصل الجنوب. لست هنا بصدد مهاجمة المحكمة الجنائية، ولا بصدد الدفاع عن الحكام الديكتاتوريين الدمويين الذين ينتهكون معايير الرحمة فضلا عن العدالة مع شعوبهم، ويسمحون أو يشاركون فى ارتكاب الفظائع بحق المدنيين وانتهاك حقوق الإنسان. وكثير من الحكام الأفارقة الذين ينتفضون اليوم ضد المحكمة، يفعلون ذلك ليس لأنها تستهدف الأفارقة، وإنما لأنها تستهدفهم شخصيا، ولن تنطلى حججهم كثيرا على شعوبهم، ولا منجاة لهم اليوم إلا بإقامة حكم القانون فى بلدانهم، والبحث عن مخارج عادلة لما تم من انتهاكات، وإلا سيظلوا مطاردين، حتى وإن انسحبوا من الجنائية الدولية، حيث يمكن أن تمارس مهامها تجاه أى دولة وإن لم تكن عضوا بها بناء على طلب من مجلس الأمن.