الكوارث الطبيعية قدر. ليس بمقدور أحد أن يأتي بها أو يمنعها. في كل يوم نراها في بلد من بلدان العالم، علي هيئة أعاصير، أو زلازل، أو فيضانات، أو غير ذلك. وكلما رأيت ما يحدث في العالم أدركت أن الله رحيم بمصر والمصريين، لأن ما نصاب به من هذه الكوارث بالنسبة لما تصاب به أمريكا أو الهند، أو اليابان، يكاد يكون لاشيء.
وحين ننظر للتاريخ المصري الطويل نعلم أن من نعم الله علينا أن هدي حكامنا في العصر الحديث إلي بناء خزان أسوان والسد العالي، فقبل بنائهما كانت حياة مصر والمصريين عرضة لكوارث لا تنتهي. كان النيل إذا جاء غزيراً أغرق البلاد والعباد، فإذا انحسر جاءت بعد انحساره الأوبئة لتحصد الأرواح، أما إذا كان منخفضاً، أو منعدماً، فمعني هذا أن المجاعة آتية لاريب فيها. ويخبرنا التاريخ أن المصريين في المجاعات كانوا يأكلون أوراق الشجر، والكلاب، والقطط، والحيوانات، وقد وصف لنا الرحالة عبد اللطيف البغدادي، الذي زار مصر في العصر الأيوبي، كيف كان المصريون يأكل بعضهم بعضاً عند اشتداد المجاعة. فالحمد لله الذي أدركنا برحمته ونجانا من الأوبئة والمجاعات.
وفي هذه الأيام حدثت تغيرات مناخية في العالم غيرت كثيراً من معلوماتنا الثابتة عن المناخ، ومن المؤكد أننا علي وشك تغيرات أكبر في المرحلة القادمة، إذ يتنبأ العلماء بذوبان جليد المحيط المتجمد الشمالي، وزيادة المياه في البحور والمحيطات الأخري، لكي تغرق هذه المياه بلاداً وتغير خرائط الدنيا. وكجزء من العالم تشهد مصر هذه الأيام أحداثاً مناخية غير مسبوقة، وعلي سبيل المثال، فقد أغرقت الأمطار الإسكندرية منذ عامين، وأسقطت المنازل القديمة، وخلعت أعمدة الإضاءة، واقتلعت الأشجار. وفي العام الماضي أغرقت الأمطار قرية عفونة بمحافظة البحيرة وأزهقت الأرواح، وأفسدت الزروع، وقتلت الماشية. وها نحن هذه الأيام نري السيول تضرب مدينة راس غارب، وبعض قري سوهاج، ولا تنقطع عن آذاننا صرخات الاستغاثة التي يطلقها أهالي هذه المناطق.
وأري أنه لابد لنا بعد أن تنتهي هذه الكارثة الطبيعية من عقد جلسات للتعرف علي الدروس المستفادة مما حدث، واتخاذ الإجراءات اللازمة في ضوء هذه الدروس المستفادة، لعدم تكرار الأشياء التي يمكن تلافيها. علي سبيل المثال : أثبتت هذه السيول في منطقة غارب أن محطات الكهرباء إذا كانت بمستوي سطح الأرض تكون عرضة للتوقف في حالة السيول العالية، ويترتب علي ذلك انقطاع التيار وصعق بعض المواطنين، لذلك يجب أن نبحث إمكان رفع هذه المحطات فوق مستوي الأرض بما لا يقل عن مترين. مثال آخر : إذا كانت السيول تضرب المناطق السكنية الواقعة عند سفح الجبل في الصعيد، فلماذا لا نرفع المباني في البقاع المعرضة للسيول عن مستوي الأرض؟ لقد كان المصريون قبل السد العالي يبنون قراهم القريبة من النيل مرتفعة عن مستوي النيل حتي لا يتشردوا إذا جاء الفيضان، فهل نستفيد مما كان يفعله أجدادنا ؟ مثال ثالث : كانت هناك سدود في المنطقة المنكوبة بالصعيد فانهارت تحت السيول. ألا يستحق الأمر أن نعرف لم انهارت، لكي نستفيد عند إعادة البناء؟
بالإضافة للدروس المستفادة يجب أن نأخذ بالمنهج العلمي في إدارة الأزمات. فالسيول والأمطار لها مواعيد محددة سنوياً، ولها أماكن محددة معروفة للجميع، وهناك محطات إنذار مبكر تبلغ الجهات المختصة قبل وقوع الكارثة، فلماذا لا تكون لدينا خطط لمواجهة هذه الكوارث ؟ لماذا لا نضع سيناريوهات لما يمكن أن يحدث قبل أن يحدث، ونحدد فيها الدور الذي ينبغي أن تقوم به كل جهة وقت الكارثة ؟ إن الاستسهال الذي نعيشه، والصراخ عند حدوث كل أزمة، والاستغاثة بالقوات المسلحة باعتبارها المنقذ ليس حلاً. الحل هو الاستعداد للكوارث قبل وقوعها، والتعامل معها طبقاً للمنهج العلمي لإدارة الكوارث والأزمات.