لم يحتمل البقاء يوما واحدا في أحضان الوطن، بعد حصوله علي تأشيرة هجرة إلي أستراليا. اتجه من السفارة إلي أقرب مكتب وحصل علي تذكرة السفر إلي سيدني، في نفس اليوم. علمت بالخبر المفاجئ، فذهبت أودعه ولم أكن أعلم أنه يحمل تأشيرة هجرة . أخذته في أحضاني وأنا أتمتم بعبارات التمني له بالتوفيق، وبينما أوصيه بالحفاظ علي دينه وقيمه العربية وعدم البقاء في تلك البلاد طويلا، صدمني، والفرحة ترقص في عينيه : أنا مهاجر ياعمو !
تسمرت عيناي، وانقبض صدري من وقع المفاجأة، وسألته بخوف وهلع : ليه ليه ؟ وبينما أحدثه عن المستقبل الواعد للاقتصاد المصري، والدور الأكبر للشباب، في المرحلة القادمة، قاطعني وكأنه يرجوني ألا أفسد فرحته قائلا : أنا متخرج بقالي 5 سنين، عملت إيه، ولاحاجه ! أنا مهاجر بحثا عن مستقبل وحياة أفضل لي ولأولادي. واستكمل حديثه محاولا تهدئة روعي : أنا حاجي كل فترة علشان بابا وماما وأهلي. ولو الأمور اتحسنت هنا، ممكن أكون نفسي وارجع تاني.
توقفت عن الجدال، تحت ضغط الفرحة التي تغمره، أخذته في أحضاني متمنيا له النجاح، وودعته وأنا أحاول إخفاء مشاعر الأسي والخوف علي الوطن.
هذه قصة أحد أقربائي، المهندس الشاب »نور ». لا تختلف كثيرا، عن قصص، شباب كثر، يهاجرون أو يحلمون بالهجرة إلي الدول المتقدمة، بعد أن ضاقت عليهم سبل العيش في مصر، وتضاءلت فرص السفر إلي دول الخليج.
هجرة نور ليست الأولي، ولن تكون الأخيرة، مما يحملنا جميعا، مسئولية التيسير علي الشباب والأخذ بأيديهم، »بجد مش بالكلام» !