الأخبار
أحمد طه النقر
ما بين القلم والقدم
عندما علم الأديب الراحل توفيق الحكيم بأن أحد الأندية اشتري لاعباً صغيراً بمئات آلاف الجنيهات، قال بسخريته المعهودة »انتهي عصر القلم.. وبدأ عصر القدم»‬ مشيراً إلي أن اللاعب تقاضي أكثر مما حصل عليه كل أدباء مصر منذ عصر إخناتون»!!.. ولم يقل الحكيم ذلك تحقيراً لكرة القدم ولكنه كان يتمني وهو المعروف ببخله الشديد، أن يكون له نصيب من هذه الآلاف المؤلفة علماً بأنه لم يعش ليري عصر الملايين!!.. والمؤكد أنه سعيد الحظ لأنه لم يعاصر رونالدو وميسي اللذين أفادت آخر الإحصائيات بأن ثروة أولهما بلغت 88 مليون دولار بينما تجاوزت ثروة الآخر 81 مليون دولار.
غير أن بعض الأدباء والمثقفين يتعالون علي كرة القدم ويخجلون من الاعتراف بأنهم يشاهدونها.. إذ يرونها »‬لعبة غوغائية يشاهدها ويُفتِي في أمورها كل من هب ودب».. وبعض متشددي اليسار يرونها وسيلة لتغييب وعي الجماهير وإلهائهم عن مواصلة طريق النضال والثورة ويصفونها بأنها »‬أفيون الشعوب».. وذلك موقف مستغرب من الرفاق اليساريين إزاء اللعبة الشعبية الاولي في العالم القادرة علي إسعاد وحشد جميع الطبقات خاصة الفقراء والبروليتاريا!!.. وخلافاً لهؤلاء، هناك أدباء ومثقفون عشقوا »‬الساحرة المستديرة» وهاموا بها وكتبوا عنها وخلدوا نجومها في إبداعاتهم.. وعلي رأس هؤلاء من العرب نجيب محفوظ وخيري شلبي وأحمد فؤاد نجم وشاعر فلسطين الأبرز محمود درويش الذي بلغ إعجابه باللعبة وغرامه بها أن قال إنه »‬يفضل مشاهدة مباراة علي حضور ندوة حتي لو كان يديرها المتنبي»!!.. كما كتب وصفاً رائعاً لنجم إيطاليا الأشهر باولو روسي الذي سجل ثلاثة أهداف في نهائي كأس العالم التي انتزعتها بلاده من البرازيل.. وبلغ حرص درويش علي متابعة »‬معشوقته» أنه كان يشاهد مباريات كأس العالم تحت الحصار الإسرائيلي لبيروت أثناء عدوان 1982، حيث تمت الاستعانة ببطارية سيارة لتشغيل التليفزيون ونقل المباريات بأحد الملاجئ.. ويصف مشاهداته بالقول »‬سرعان ما نقلنا باولو روسي إلي ما ليس فينا من فرح.. شيطان نحيل لا تراه إلا بعد تسجيل الهدف، تماماً كالطائرة القاذفة لا تُري إلا بعد انفجار أهدافها»!!.. أما أجمل ما أبدعه درويش في النقد الرياضي فكان عن الأسطورة الأرجنتينية دييجو مارادونا الذي قاد بلاده للفوز بكأس العالم عام 1986.. وبعد انتهاء المنافسات عبر درويش عن حزنه لأنه سيفتقد بطله قائلاً »‬مع مَن سنسهر بعد أن اعتدنا أن نعلق طمأنينة القلب وخوفه علي قدميه المعجزتين؟.. وإلي مَن نأنس ونتحمس بعد أن أدمناه شهراً تحولنا خلاله من مشاهدين إلي عشاق؟»..
ومن الأدباء والمفكرين العالميين الذين كتبوا عن كرة القدم جان بول سارتر وانطونيو جرامشي والبير كامو الذي كان حارساً للمرمي في فريق جامعة الجزائر أثناء الاحتلال الفرنسي لبلد المليون شهيد.. ووصف أحدهم اللعبة بأنها »‬أشرف الحروب الإنسانية» حيث الصراع النبيل من أجل الهدف.. وأنا شخصياً من عشاق كرة القدم وأحرص علي مشاهدتها كلما تيسر ذلك لأنها »‬تنافس إنساني ديمقراطي بامتياز.. تتوافر فيه العدالة وتكافؤ الفرص ولا يعرف المجاملة أو المحسوبية أو التوريث» فضلاً عن أنها بوابة الفقراء للخروج من قاع المجتمع.. ودليل ذلك عشرات النجوم البرازيليين الذين ولدوا بالأحياء الفقيرة ومدن الصفيح وصاروا طاقة أمل لأهاليهم ومجتمعاتهم».. صحيح أن طبيعة ومقتضيات اللعبة تسمح، مثل كل الرياضات الأخري، بتصعيد لاعبين ورياضيين جهلاء وأميين لم يقرأوا كتاباً في حياتهم، ليحتلوا أعلي المناصب في الإدارة والتدريب والإعلام الرياضي، مما يفتح الباب للفساد والتعصب والبلطجة.. ورأينا ذلك في قيادة »‬الفيفا» وبعض النوادي، إلا أن ذلك لا ينتقص بأي صورة من جمال كرة القدم وسحرها الذي أشقي الملايين بعشقها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف