المصرى اليوم
عباس الطرابيلى
السوريون.. ودروس لكل المصريين
قالت العرب قديماً إن أصابع اليد الواحدة ليست واحدة رغم أنها تنبت من ذراع واحدة.. وكذلك شعوب العرب. هناك من ينتظر ما يخرج من الأرض، أو ينزل عليها من السماء والأشجار.. ولا تنتزع طعامها وشرابها.. ومنهم من ينتزع طعامه - بالقوة - ومنهم للأسف من يمد يده ويصل حتى إلى درجة التسول.. لا أن يعمل ويكد ويكدح، فالتسول أسهل.

والشعب السورى يطبق القول الشهير: تموت الحرة ولا تأكل بثدييها.. أى يفضل العمل الجاد، لينتزع طعامه من عرقه، وأيضاً عرق عياله وكل أسرته.. على عكس شعوب أخرى - مجاورة له - تركن إلى الكسل.. وتعتمد على ما تقدمه المنظمات الدولية.. وغيرها، حتى وإن طالت عليها السنوات والهول، أما الشعب السورى.. فالعمل عنده عبادة.. وهذا سر نجاح السوريين.. والتواكل عنده كارثة.. والأسرة السورية تعمل كلها، لتعيش.. سواء كانت فى بلادها تنعم بالاستقرار.. أو خارج أرضها تحت سياط التهجير القسرى بعيداً عن الديار.

حقيقة تقدم المنظمات الدولية للأشقاء «بعض المساعدات» وهى وإن كانت عبارة عن «نواية تسند الزير» إلا أنها توفر بعض الأساسيات إلى أن يدبر السورى أمره.. ولكن العمل هو عشق هذا العربى السورى، على عكس شعوب أخرى عربية، فى آسيا.. وفى أفريقيا.

وذلك أن الأسرة كلها تعمل: الأب.. والشباب.. بل الصبية وأيضاً الأطفال.. كذلك الزوجة والأم.. والبنات فى كل الأعمار.. منهم من يعمل فى البيوت.. هى تعد الحلويات، بل الأطعمة السورية.. ويتولون هم - أيضاً - تسويقها وهم - من فرط جودة أطعمتهم - يجدون ترحيباً من كل المصريين.

ولكن الأهم أنهم يقبلون من الربح أقله.. مجرد هامش ربحى قليل.. وهذا من أسرار نجاح الأسرة السورية التى تقدم مأكولاتها للمصريين فى البيوت، أما الرجال والشباب فمنهم من أنشأ المطاعم التى تقدم وجبات يقبل عليها كل المصريين.. بشغف كبير لعدة أسباب أهمها: شدة النظافة. والوجه البشوش.. وانخفاض الأسعار.. والالتزام بالجودة.. بينما نجد غيرهم ممن يقبل الناس عليهم نجدهم يغيرون من مواصفات ما يقدمون!! ويلتزمون أيضاً بالأسعار.. رغم موجات الغلاء.

نجد من السوريين من يحمل شهادات عليا فى التعليم.. ولكنهم تركوها وراء ظهورهم ونزلوا إلى سوق العمل.. دون خجل.. وإذا كان السوريون فى المجمل يعشقون التجارة نشاطاً.. فإن المصريين مغرمون بالتراب الميرى، أى بالوظيفة.. وكنت أرى ذلك واضحاً خلال عملى بدولة الإمارات.. ربما يقبل السورى بالوظيفة فى الشهور الأولى.. ولكنه يهجرها إلى العمل الحر لينطلق.. بينما المصرى لا يقبل بغير الوظيفة.. وهنا الفرق بين الشخصيتين.. وعندنا انتشرت أسماء: الشام والشامى والدمشقى والحلبى والحمصى، ونراها تعلو واجهات المطاعم التى نجدها - بالذات - فى المدن الجديدة وفى الأحياء الراقية، وداخل المدن القديمة.. وأثر ذلك حتى على مطاعم وعربات الفول والطعمية.. وأيضاً باعة الكشرى.. والجميل هنا أنه رغم هذه المنافسة فإن المصرى يتقبل ذلك، انطلاقاً من مقولتهم العطار جنب العطار.. يرزق!!

بل إن الوجود السورى رفع سعر العقارات فى مصر.. وزاد من قيمة إيجارات المساكن.. حتى نجد أن النسبة الكبرى من سكان الكثير من المدن الجديدة هى من الإخوة السوريين.. هذا الشعب شديد القدرة على التحمل والجلد والصبر.. ويكفى أن فى مصر الآن أكثر من 500 ألف سورى من بين 4 ملايين سورى تركوا بلادهم مرغمين.. ورغم هذا العدد فإنهم لم يتحولوا إلى سكان للمخيمات إلا فيما ندر.. ومنهم - فى مصر - من يعمل فى صناعة وتجارة الملابس والمفروشات.. وما أفضلها عن الصينى والتركى. فالسورى ابن شعب لم يجلس ليبكى على الأطلال.. بل انطلق يعمل ويسهر.. ويعطى بذلك سبباً ودرساً لكل المصريين.

■ ■ قارنوا بين الشاب السورى الذى ينطلق إلى العمل.. والشاب المصرى الذى يجيد الكلام. ويضيع وقته بين الرغى فى المحمول، أو الجلوس لساعات أمام «النت»، أو «يقتل وقته» بالجلوس فى الكافيهات.. يشرب الشيشة ويهلك صحته.. أو يحتل الأرصفة إلى ما بعد منتصف الليل.

■ ■ وقارنوا أيضاً بين سورى يفضل العمل.. ومصرى - بكل أسف- يجلس ولا حديث له إلا الشكوى.. وإلا الحديث عن الهجرة خارج البلاد ويفضل أى عمل خارج بلاده.. على أى مشروع جديد يعمل به داخلها.

■ ■ هى فعلاً فروق جوهرية بين شعب يعشق العمل.. وشعب لم يعد يجيد إلا الشكوى.. والنقد.. والتبرم. وللأسف لم نكن هكذا حتى 50 عاماً فقط مضت. وإذا وجدنا من يتحدث بعشق عن حب السوريين للعمل.. فإن الأولى بنا أن نتعلم منهم.. وأن نستعيد ما كنا نتميز به زمان.. وقول للزمان ارجع يا زمان على رأى الست أم كلثوم. وتلك من أهم أسباب تأخرنا!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف