سهير جودة
الديمقراطية الأمريكية الفاسدة
حتماً سيعيد العالم النظر فى النظريات السياسية والاقتصادية. ومن النظريات التى سيعاد فيها النظر هى الديمقراطية؛ فهذه النظرية بمعوقاتها لم تعد كافية لتكون دستور العالم سياسياً فقد ثبت فشلها فى أشياء كثيرة وتسبب سوء استخدامها فى كوارث عديدة والأمر وصل إلى درجة أن بعض المفكرين فى الغرب يتحدثون الآن عن إعادة النظر فى الماركسية فربما تكون بعض قواعدها صالحة، وهذا يدل على أن العالم يبحث عن نظرية جديدة. وفى هذا الإطار تأتى أهمية كتاب «الديمقراطية أشد الصادرات الأمريكية فتكاً» للمؤلف وليام بلوم، أحد أهم المتخصصين فى السياسة الأمريكية الخارجية، وترجمة د. فاطمة نصر.. يحلل المؤلف استراتيجية وأفكار القيادة والإدارة فى الولايات المتحدة تجاه العالم ويقول: ظل أكثر الأهداف الجوهرية للسياسة الخارجية الأمريكية هو الحيلولة دون صعود أى مجتمع قد يصبح مثالاً صالحاً لنموذج رأسمالى بديل، وكان هذا هو جوهر الحرب الباردة، ويريد المسئولون الأمريكيون منا أن نصدق أن السياسات التى ينتهجونها فى مسعاهم للهيمنة هى من أجل خير شعبهم ومعظم العالم حتى وإن لم تتضح بركاتها فى المال. أكثر مما يستهويهم هو إعادة صنع العالم فى صورة أمريكا بحيث تصبح عناصره الجوهرية هى المشاريع الحرة والفردية وما يسمونه القيم اليهودية المسيحية وشىء آخر يسمونه الديمقراطية.
ويستعرض المؤلف عقيدة القادة والقيادة فى الولايات المتحدة وأهم المعتقدات والأهداف التى يتحركون من أرضيتها «فليكرهونا طالما يخشوننا»، شعار استخدمه قادة أمريكا عن حرب العراق كما استعرض شعار «فوق الجميع» الذى تصدر الموقع الإلكترونى لقوات الولايات المتحدة الجوية، ومن أهم الشعارات التى أطلقها القادة «سنشتبك فى حروب من السماوات يوماً. نستهدف السفن والطائرات الأهداف الأرضية من الفضاء وسنحارب من الفضاء وفى الفضاء». ويؤكد الكاتب أنه لا يحفز طموح الولايات المتحدة للهيمنة على العالم قضية نشر الديمقراطية أو الحرية أو وجود عالم أكثر عدلاً أو القضاء على الفقر أو الضعف أو تحسين الحياة بل يحفزه الاقتصاد والأيديولوجيا.
إن الصراع يدور بين من يعتقدون أنه يجب تسخير الأرض والعمالة ورأس المال والتكنولوجيا والأسواق فى العالم من أجل تراكم الحد الأعلى من الأموال لصالح القلة وبين من يعتقدون أنه يجب استخدام تلك الأشياء من أجل النفع المشترك والتطور الاجتماعى والاقتصادى للكثيرين. ويستعرض الكاتب أبرز التناقضات الأمريكية وربما كان أهمها ما جاء فى وثيقة استراتيجية عام 2002 والتى تنص على: بالاتساق مع إرثنا ومبادئنا فنحن لا نستخدم قوتنا لنضغط من أجل الحصول على امتيازات أحادية بدلاً من ذلك فإننا نسعى لإيجاد توازن للقوى يعمل لصالح حرية الإنسان. وفى نفس هذه الورقة ما يؤكد ويبرز التناقض حيث جاء فيها: حان الوقت لإعادة التوكيد على الدور الجوهرى للقوة العسكرية الأمريكية علينا أن نبنى دفاعاتنا ونحافظ عليها لكى تظل خارج نطاق التحديات، ستكون جيوشنا على درجة من القوة تثنى أى أعداء محتملين عن المضى فى بناء قوة عسكرية على أمل التفوق على قوة الولايات المتحدة أو معادلتها من أجل استباق أى عمليات عدائية من أعدائنا أو منعها، ستقوم الولايات المتحدة الأمريكية بعمليات استباقية عند الضرورة.
وبعد ستة أشهر من إصدار هذه الاستراتيجية نفذت الولايات المتحدة هجوماً أسوأ من الهجوم والاستباق حيث لم يكن هناك استفزاز أو تهديد من جانب العراق.
والولايات المتحدة لا يهمها هذا الشىء المسمى ديمقراطية أياً كان عدد المرات التى يستخدم فيها جميع الرؤساء ذلك اللفظ فى كل مرة يفتحون فيها أفواههم.
ويرصد الكاتب عدة محاولات للولايات المتحدة والإطاحة بما يربو على خمسين حكومة غالبيتها منتخبة ديمقراطياً وتدخلت تدخلاً سافراً فى انتخابات ثلاثين بلداً على أقل تقدير، وآخر ما يخطر على فكرهم هو أى نوع من الديمقراطية الاقتصادية وسد الفجوة بين الفقراء البائسين وبين من لا يكتفون مهما راكموا من ثروات.
إن أول ما يفكرون فيه هو التأكد من أن البلد المستهدف لديه آليات سياسية ومالية وقانونية قائمة لجعله موائماً للعولمة. ولا تعادى الولايات المتحدة الإرهاب كإرهاب بل تعادى فقط الإرهابيين غير المتحالفين مع الإمبراطورية الأمريكية.
الكتاب وثيقة مهمة للغاية على كل الخطايا والشرور والدمار الذى لحق بالعالم نتيجة سياسة وشهوات القادة فى الولايات المتحدة الأمريكية ونتيجة ترويج أكاذيبهم وأهمها الديمقراطية.
كما يشرح الكاتب بالتفاصيل وبالأدلة السيكولوجية التى تربى عليها الإنسان الأمريكى حيث شبه الشعب الأمريكى بأطفال زعماء ألمانيا الذين لا يعرفون كيف يكسب آباؤهم النقود التى يعيشون عليها ولا يريدون أن يعرفوا ثم يتعجبون للسبب الذى قد يدفع أشخاصاً لقذف قنبلة حارقة من خلال نافذة غرفة معيشة، كما يؤكد أن غالبية الشعب الأمريكى ليسوا على درجة كبيرة من الحنكة السياسية أو الثقافية ولا يمتلكون أى إدراك أو علم أو معرفة تاريخية عن العلاقات الخارجية. ويستشهد الكاتب بسؤال من إحدى المذيعات كانت تستضيفه فى مناقشة حول النزاع الفلسطينى الإسرائيلى حيث سألته «ماذا فعلت إسرائيل للفلسطينيين حتى يُكنوا لها العداء؟»، فأجابها «هل قضيت العشرين سنة الماضية وأنت فى غيبوبة».