أمس مر 99 عاماً علي بدء المأساة.. أمس مر 99 عاماً علي بدء رحلة التشرد واللاجئين لشعب عاش في أرضه منذ آلاف السنين.. أمس مر 99 عاماً علي وعد ارثر بلفور وزير خارجية بريطانيا لليهود بإقامة "بيت" لهم في فلسطين.. نعم "بيت" وليس وظنا أو دولة لأن بلفور لم يجرؤ علي التصريح بذلك فاكتفي طبقاً للنص الإنجليزي jewish, home بسبب الخلافات داخل حكومة ديفيد لويدز البريطانية لرفض معظم الوزراء لإقامة دولة يهودية في فلسطين.. واستخدم بلفور "الحيل" التي مورست علي العرب أكثر من مرة ومازالت باستخدام لفظ Home بدلاً من Cowmtry.. أي البيت بدلاً من الدولة لوضع قدم اليهود في المنطقة وعليهم الباقي..!!
ونذكر جميعاً هذه الحيل اللغوية مثلما حدث في القرار 242 الصادر من مجلس الأمن بعد 1967 به عندما استخدم كلمة الانسحاب من أراض محتلة ولم يقل الانسحاب من الأراضي المحتلة.. أي الانسحاب من بعض الأراضي ولم يقل كل الأراضي.. وهكذا.
المهم صدر "الوعد" من لا يملك لمن لا يستحق.. والسؤال الذي شغلنا وأنا استعرض الظروف التي صاحبت هذا الوعد هل هناك وعود مماثلة الآن في المنطقة العربية بعد استبدال بعض أطراف المعادلة..
بدلاً من بريطانيا جاءت الولايات المتحدة الأمريكية.. وبدلاً من الإسرائيليين جاء الأكراد والشيعة والدروز والعلويين والسنة والمسحيين والامازيغ والحوثيين.. إلخ.
وبدلاً من التحول البطئ لإنشاء أو ميلاد الكيان الصهيوني يكون التحول السريع لتمزيق الدول العربية.. بدلاً من مئات الآلاف من الضحايا تكون الملايين.. بدلاً من الأسلحة الفاسدة والبنادق والمسدسات تكون الحرب البيولوجية والكيماوية وجميع أسلحة الدمار الشامل.
يااه.. يااه.. علي العرب الذين لا يتعلمون ولا يفهمون دروس التاريخ.. عاشوا مأساة الشعب الفلسطيني وأخذ الحكام العرب شرعيتهم في الجلوس علي كراسي الحكم واستمرارهم فوق أنفاس شعوبهم من خلال خطاباتهم النارية ضد إسرائيل في العلن.. وفي الخفاء يشترون القصور في تل أبيب ويقضون الإجازات هناك.
المهم بدلاً من بلد واحد تم اقتطاعه من عالمنا العربي أصبح العديد من الدول بديلاً بدلاً من جرح "فلسطين" أصبح هناك جروح في ليبيا والسودان والصومال واليمن والعراق وسوريا ولبنان.. ولا نتعلم!!
بدلاً من شعب واحد من اللاجئين أصبح لدينا شعوب كثيرة من اللاجئين.. ولا نتعلم!! بدلاً من خريطة تزيل اسم بلد عربي من فوق تضاريسها أصبح لدينا العديد من الدول مرشحة بالتقسيم والتفتت والتمزق والإندثار والتلاشي.. ولا نتعلم!!
الشيء الوحيد الذي تعلمه العرب أن الكلام لم يحرر فلسطين لذلك لجأوا إلي السلاح. ليس لتحرير القدس وفلسطين لكن لتمزيق العديد من الدول العربية.. وبدلاً من استخدام سلاح البترول في حصار أعداء العرب استخدموه ضد العرب أنفسهم.. وهكذا..
بعد 99 عاماً هل يبتعد الحلم عنا بإعادة فلسطين إلينا؟؟ والسؤال الجدلي غير الواقعي الآن هل تعود فلسطين - إذا عادت - وإلي أي محيط بعد هذه النيران التي تلتهم الأخضر واليابس في المنطقة..؟!
نبوءة نابليون
لا يفهم قيمة مصر وشعبها إلا الأغراب والعظماء حتي لو اختلفت أغراضهم.. علي سبيل المثال قالها نابليون بونابرت بعد أن ذاق الأمرين في مصر ولم يستطع أن يبقي فيها.. قالها بحسم "مصر يمكن أن تصبح قوة كبري".. قالها بعد أن كشف له العلماء والفنانون الذين اصطحبهم معه في حملته وقاموا بجهد علمي وفني مازلنا نذكره حتي الآن فيما يطلق عليه "وصف مصر" كشفوا فيه كنوز المصريين وقوة مصر الحقيقية.. لذلك وصف مصر أو حذر من قيامها لأهله الاستعماريين "مصر يمكن أن تصبح قوة كبري".. قالها وترك الباقي علي المتلقي!!.. الاستعمار عرف قيمتها.. لذلك سعي دائماً أما لاحتلالها عسكرياً أو لاضعافها اقتصادياً وسياسياً وعلمياً لأن تركها تنمو يعني أنها ستصبح قوة كبري.
وصدقت نبوءة نابليون عندما تلقي كلماته من يريد الخير لمصر وأهلها.. بدأت الرحلة علي يد محمد علي فأقام الامبراطورية المصرية حتي تحالف ضده الغرب وحاصروه بعد أن وصل بأسطوله إليهم والباقي أنتم تعرفونه!!
وجاء بعده بعشرات السنين الزعيم الراحل جمال عبدالناصر ليبدأ رحلة النهوض في الستينيات والخمسينيات حتي حاصروه في نكسة 1967 والباقي تعرفوه.
وعندما نجح الزعيم أنور السادات في إعادة الروح للشخصية المصرية ورد الاعتبار لجيشنا العظيم في 1973.. كان الحصار والاضعاف لمصر منذ انتصار أكتوبر 1973 وحتي 25 يناير 2011 وعندما بدأت مصر في مرحلة الصعود مرة أخري بدأت محاولات الحصار الاقتصادي لتكون المقدمة لاضعاف الروح المصرية حتي "لا تشم" نفسها..
ولأن الرئيس السيسي نجح لحد كبير في الدبلوماسية الخارجية وبدأ المشوار الصعب في التنمية رغم أن "الأساسات" التي تركها له نظام مبارك هشة وشبه دولة.. لذلك الحرب الآن علي أشدها في خلق السيناريو تلو الآخر حتي لا يكمل السيسي فترة حكمه الأولي لأنهم يدركون أنه لو أكمل مدته ستبدأ بوادر وعلامات ونتائج ما زرعه في الظهور.. لذلك كل الجهد من أعداء مصر الآن هو خلق أزمات حتي يفقد الرئيس السيسي حماسه من ناحيته أو يفقد أو تتآكل شعبيته بالأزمات المتتالية من جهة ثانية.
بإذن الله لن تنجح هذه السيناريوهات لكن وبشرط أن نكون جميعاً علي مستوي المسئولية.. حكومة وشعباً. رئيساً ومرءوسين. حاكماً ومحكومين.
مثلاً يحاول أعداء الوطن الانقضاض علي النجاح الذي حققه السيسي في تواجده وحواره مع شباب مصر في مؤتمرهم الأول الذي يعد نموذجاً لحوار أي رئيس في العالم مع الشباب. ولا اعتقد أنه حدث أن جلس رئيس مع شباب بلده أو أي فئة من شعبه لمدة 3 أيام يستمع لهم ويناقشهم ثم يخرج بقرارات يعلنها علي الجميع لتكون قرارات ملزمة للحكومة.. والكرة الآن في ملعب الحكومة ومجلس النواب في ترجمة قرارات الرئيس وعدم الالتفاف عليها..
طبعاً سنجد من يحاول الالتفاف علي تعديلات قانون التظاهر بزعم الاستقرار ومن يحاول عرقلة الإفراج عن الشباب المحبوس علي جرائم هو بريء منها.. إلخ من قرارات لكي "يحرج الرئيس" أمام الشباب.
وطبعاً سنجد من يعرقل صدور قانون الصحافة والإعلام وتشكيل الهيئات الوطنية للصحافة والإعلام وإصدار قانون تداول المعلومات.. إلخ لاحراج الرئيس أمام الشباب.
التعليم
سنجد من يعرقل بشكل أو بآخر إقامة مؤتمراً لتطوير التعليم ووضع آلية لتنفيذ قراراته حتي تنضم إلي ثلاجة التوصيات المحتشدة في مخازن الحكومة.. لاحراج الرئيس السيسي ولمنع تقدم مصر!!
الاقتصاد
ومع ذلك أطالب الرئيس عبدالفتاح السيسي بإقامة مؤتمر اقتصادي لوضع خطة شاملة بآليات محددة يتفق عليها خبراء مصر من جميع الاتجاهات والتيارات والأحزاب لتحديد خطط تنموية محددة ومشروعات محدودة في خطط قصيرة ومتوسطة وبعيدة الأجل.
أخيراً المهم ليس إقامة مؤتمرات.. لكن المهم هو تنفيذ توصيات هذه المؤتمرات كي يشعر بها المواطن من جهة وتنقلنا للتقدم من جهة ثانية!!
نحن وسنغافورة
لفت نظري الفارق بين مصر وسنغافورة وجبل علي في الإمارات هذه العبارة: التخليص الجمركي لأي شحنة في ميناء مصري تستغرق شهرين. وفي الإمارات أسبوعين وفي سنغافورة يومين!! هذه واحدة.. الأمر الثاني أن رحلة سنغافورة للتقدم بدأت بالتعليم وبوضع خطة توازن بين أعداد وتخصصات الطلاب وبين ما يحتاجه سوق العمل علي مدي سنوات طويلة.. متي تتحول التجربة السنغافورية إلي واقع عملي عندنا؟!!
أياد مدني
نعم أنه شخص تافه لا يستحق الرد عليه.. لكن وجوده علي رأس منظمة الدول الإسلامية كان أمراً مشيناً.. لذلك وجب التصحيح بازاحته وفي نفس الوقت الرد عليه بسيط مصر دولة كبيرة ورئيسها كبير قوي.. ومن لا يستطيع نقد حاكمه أو حتي الخادم في قصره لا يحق له أن يقترب من أي مواطن مصري وليس الرئيس!!
الحكومة والسيول
نعم السيول كارثة طبيعية.. لكن غير الطبيعي ما حدث قبل وبعد هذه الكارثة.. لم نجد محافظ البحر الأحمر مثلاً أو رئيس مدينة رأس غارب بين المواطنين حتي لو وصل الأمر بهم أن يحمل كل منهم "جردل" لينزح مع المواطنين المياه من بيوتهم مثلما يفعل أي مواطن إذا أصيب بيته بكارثة.. نعم قد تكون موارد الدولة محدودة لكن عندما تكون مشاعر المسئول محدودة أو معدومة تكون هي الكارثة.
والكارثة الأكبر التي شاهدتها بنفسي في أسوان منذ سنوات قبل 25 يناير 2011 ودخلت في جدل شديد مع محافظ أسوان آنذاك اللواء مصطفي السيد عندما وجدت مدرسة حكومية "مبنية" في مخر سيل.. وقتها قلت للمحافظ هل يعقل أن يموت مواطن من سيل؟.. رد طب نعمل إيه مواطن عجوز لم يستطع أحد إنقاذه.. قلت له وهل يعقل أن تقوم الحكومة ببناء مدرسة في مخر سيل؟.. كان رده الذي نرفزني إنه جاء ووجدها ولم تبن في عهده.. قلت له يا سيادة المحافظ أنا لا أحاكمك بل أحاكم الحكومة التي لا تستعين بخبراء في جميع التخصصات قبل بناء أي منشأة أو شق طريق.. وكان أساتذة الجيولوجيا يقولون لنا لابد من الاستعانة بخبراء الجيولوجيا قبل شق أي طريق أو بناء أي منشأة حتي لا نجد طرقاً مقامة في اتجاه حركة الكثبان الرملية أو بناء مبان علي تربة صخرية هشة متشققة.. إلخ من أمور يفهمها علماء الجيولوجيا.
وهكذا ونصيحة قبل بناء سدود للسيول أدرسوا الأمر بشكل علمي جيد.. وتابعوا مخرات السيول إذا وجدت فلا يعقل أن تكون مردومة بالقمامة أو مبني فوقها منشآت.. والأعهم من ذلك أن يكون المسئول بجوار الناس. وجوده يخفف المأساة ويعالج الأثر السلبي من الأخطاء غير المتعمدة.. والمصريون تأسرهم الكلمة الطيبة والموقف انطلاقاً من المثل الشعبي "لاقيني ولا تغديني"!!
ولعل كارثة السيول المبكرة تكون جرس إنذار لباقي المحافظات حتي لا يتكرر ما حدث في الإسكندرية والبحيرة العام الماضي.. وأخيراً وليس اخراً أقول للحكومة السيول والأمطار تأتي في الشتاء وتهاجم مناطق معروفة ياريت تأ اخذوا الاحتياطات لها من الآن للسنوات القادمة.