الجمهورية
جلاء جاب اللة
تحرر .. انطلق .. اهزم الخوف
** يُحْـكَي أن رجلاً خرج كعادته كل يوم إلي الحقل يحمل فأسه بعد أن ودع زوجته الحبيبة وأولاده.. وفي موعد عودته مع غروب الشمس. لم يعد الرجل.. انتظرته الأسرة طويلاً.. ومرت سنوات ولم يعد.. وبعد طول انتظار سمعت الزوجة طرقات علي الباب تحفظها جيداً. فعرفت أن زوجها الغائب قد عاد.. وبعد اللقاء والبكاء. والسؤال عن الأحوال.. سألته زوجته: أين كنت؟!.. فحكي لها قصته الغريبة.
قال لها: وأنا في طريقي إلي الحقل يوم الغياب.. وجدت رجلا غريباً يقف في الطريق كأنه ينتظرني.. فلما رآني اقترب مني وهمس في أذني بكلمات لم أفهمها. لكنها أصابتني بالفزع.. سألته: ماذا تقول؟!.. فقال وهو يضحك ساخراً مني والشر في عينيه: هذه تعويذة سحر أسود. ألقيت بها في أعماق روحك.. وأنت من الآن عبد لي حتي تموت. وإن خالفت أمري تخطفتك الجان. فمزقت جسدك تمزيقاً. وألقت بروحك في بحر العذاب المظلم. حيث تظل في عذاب أبدي مادام ملك الجان علي عرشه.
ويواصل الرجل: لقد سرت خلف هذا الرجل إلي بلاد بعيدة وأنا أخدمه طوال النهار. وأحرسه في الليل.. فلما وصلنا إلي بيت هذا الرجل. وهو يشبه القبر. وجدت رجالاً غيري يخدمونه. وكان كل واحد منهم يحمل قلادة في رقبته بها مفتاح. فإذا جاء الليل دخل كل منهم سجنه وأغلق بابه بالمفتاح. ثم نام. فأصبحت أفعل مثلما يفعلون. وكلما تذكرت أهلي وأسرتي وزوجتي نظرت إلي المفتاح الذي أصبح كالسد بيني وبينهم. ولكن الرجل الغريب ليس في قلبه رحمة.. حتي أن الرجال كانوا يبكون كالأطفال من ظلمه. وعندما يستعطفونه كان يقول: والله ما أعرف لهذه التعويذة من خلاص. ولا ينجو أحدكم بروحه إلا إذا مات وهو يخدمني.
وفي يوم مرض الرجل وشارف علي الموت. وكنت أخدمه. فسألته: يا سيدي أنت الآن تموت ولا نعلم كيف الخلاص من السحر الذي ابتلينا به.. ضحك الرجل ضحكته التي رأيتها أول مرة التقيته فيها. برغم أنه يحتضر وقال لي: أيها الأحمق أنا لا أعرف شيئاً من السحر. وما تلك التمائم التي همست بها في أذنك إلا كذبة ابتدعتها.. لكن نفسك الضعيفة جعلتك عبداً لي. وخوفك من الهلاك جعل روحك سجينة في زنزانة أنت الذي تغلقها بيدك. وقد أعطاك الله عقلاً كالمفتاح الذي وضعته في عنقك.. ولولا أنك رضيت لنفسك الذل والهوان. لفتحت باب السجن الذي كنت تعذب نفسك فيه.. وكنت أسمع بكاءكم في الليل. فأتعجب من ضعف عقولكم. وقلة حيلتكم!!
ويواصل الرجل العائد إلي أسرته: أسرعت إلي زنزانتي فالتقطت فأسي وعدت إلي الرجل لأقتله. فوجدته قد مات.. فأخبرت مَن معي من الرجال بما قال.. فأحرقوا جسده الميت.. وخرجنا.. وها أنا قد عدت إليكم وكلي شوق إليكم.
هذه القصة قرأتها. وكان هدف مرسلها لي أنه يقول إن الحزن في هذه الدنيا سجن نصنعه لأنفسنا بأنفسنا. والمفتاح هو الإيمان بالله.. فأسرع وحرر نفسك من سجنها!!
عدت لقراءة القصة مرة أخري. ونظرت إلي حال مصر في أزمتها الاقتصادية. في عام 1977 خرج علينا الخبير العالمي الاقتصادي عبدالمنعم القيسوني بحزمة من الإجراءات الاقتصادية.. رفضها الناس خوفاً من ارتفاع الأسعار. وخرجت مظاهرات ترفض هذه القرارات.. فتراجعت الحكومة.. ولم يجرؤ أحد بعدها أن يواجه الأزمة التي وصلت إلي درجة غير عادية من السواد.
الهاجس من رفض الناس وما حدث في 18 و19 يناير 1977. ظل هو السحر الأسود الذي يخشاه كل أصحاب القرار حتي اليوم. وبعد حوالي 40 سنة. جاء الوقت لنتحرر من هذا السحر الأسود الكاذب. ونواجه أنفسنا بأنفسنا. ويكون الحل بأيدينا لنخرج من هذه الأزمة!!
الخوف هو الهاجس الذي صنعناه من قرارات صعبة وضرورية للخروج من الأزمة.. وكانت البداية في قرارات المجلس الأعلي للاستثمار وهي 17 قراراً رائعاً لأول مرة في الاتجاه الصحيح!!
إذن نحن نستطيع أن نتحرر من هذا الهاجس.. لدينا القدرة علي مواجهة الخوف.. وفتحنا الباب.. فماذا ننتظر؟!!
يقول الخبراء إن تحرير سعر الدولار رسمياً أصبح ضرورياً.. وأن تعويم الجنيه هو الحل للخروج من هذه الأزمة.. ولكن هناك الخوف من ارتفاع الأسعار. وهذا هو الهاجس الحقيقي الذي يخشاه الجميع.. لأن إمكانيات البسطاء. وهم الذي يتحملون الكثير ويعانون بالفعل لم تعد تحتمل أي ارتفاع جديد. ولكن المهم ألا يصدر قرار رسمي يؤدي إلي رفع الأسعار. وتحديداً الاقتراب من سعر الطاقة. خاصة البنزين.
ضبط الأسعار ممكن جداً بعدة أساليب أهمها المواجهة. فنحن في حالة حرب حقيقية. نحن نواجه خطراً لا يقل عن الحرب العسكرية.. وهو ما يستدعي وجود اقتصاد حرب. أي التدخل الرسمي لضبط الأسعار. وعدم ترك الأسعار "علي المزاج" في هذا الوقت.. والتدخل الرسمي لضبط الأسعار. يستدعي تدخلاً موازياً. وهو مواجهة العشوائية.. سواء في اتخاذ القرار أو متابعته أو تنفيذه. لأن العشوائية أحد أسباب الفساد غير المعلنة. ومواجهة العشوائية تعني أيضاً مواجهة السوق الموازية سواء بأن يكون لها شكل مقنن أو بأن تساهم في الموازنة العامة أسوة بالسوق الحقيقية الرسمية التي تدفع الضرائب!!
ومواجهة العشوائية والسوق الموازية يتم في إطار عام اسمه توزيع الأعباء بعدالة علي الجميع.. فلا يعقل أن يكون الموظف محدود الدخل. مورداً للضرائب. بينما التاجر في السوق الموازية لا يدفع ضريبة.. أو أن يكون لدينا ملايين المحلات غير المرخصة. وبالتالي لا تسدد ما عليها للدولة. بينما الملتزمون والذين التزموا بتعليمات الدولة ورخصوا نشاطهم طبقاً للقانون هم وحدهم الملتزمون بسداد ما عليهم!!
توزيع الأعباء علي الجميع بعدالة ومساواة. يعني أيضاً ضرورة تنفيذ الضرائب التصاعدية. يتحمل كلى واجبه حسب إمكانياته. وفي المقابل علي الحكومة أن تبدأ برنامجاً حقيقياً فعلياً للتقشف وتطبيق الحد الأقصي للأجور بالفعل!!
وإذا كنا نطالب أيضاً بدعم من يستحق. ومنع الدعم عمن يستحق. فلابد أن نحدد أولاً من هو الذي يستحق الدعم؟!.. هل الموظف الذي يحصل علي خمسة آلاف جنيه شهرياً يستحق الدعم؟!.. كثيرون يرون أنه يستحق الدعم لأن الاحتياجات في تزايد.. وآخرون يرون أنه لا يستحق.. وأياً كان الرأي النهائي. فلابد أن يصدر عن رؤية حقيقية للاحتياجات والضروريات.. فهناك منازل لموظفين من الطبقة الوسطي تدفع فاتورة كهرباء شهرياً أكثر من ألف جنيه.. هل يستحق هؤلاء دعماً؟!!
القرارات التي أصدرها المجلس الأعلي للاستثمار برئاسة الرئيس السيسي. تحتاج إلي تفعيل علي أرض الواقع. وبسرعة.. لأن تفعيلها سيكون في إطار الحماية الاقتصادية الحقيقية. والدفاع عن حقوق البسطاء والطبقة الوسطي. كما تدافع عن المستثمرين ورجال الأعمال.
لقد نجحت إجراءات بسيطة وسريعة في وقف انطلاقة الدولار.. وكسرت بعض أسنانه التي تأكل كل ما تلتقفه.. وهذا ما يعني أن القرارات الجادة فيما يتعلق بحماية الاقتصاد المصري.. وحماية المواطن المصري. سيكون لها أثر كبير وحيوي علي وقف انطلاقته وإعادته إلي نقطة أقرب جداً من سعره الحقيقي في السوق المصري.
نقطة أخري أراها مهمة. وإن كانت تحتاج إلي جهد أمني أكبر. وهي الوقوف بقوة في مواجهة تجار المخدرات الذين يعدون أكبر مشتر للدولار في مصر!!
لقد بدأت الإجراءات الحقيقية.. لأننا تحررنا من خوف عام 1977. ولابد من المواجهة. وكما عاش رجل القصة في بداية المقال أسيراً لتمائم كاذبة من سحر أسود. فقد عشنا أربعين عاماً أسري سحر أسود اسمه الخوف.. فلننطلق لأننا قادرون بالفعل علي الانطلاق.. المهم أن يكون البسطاء تحت مظلة الحماية الاقتصادية أولاً.
همـــس الــــروح..
** لا شيء يستحق.. عندما يأتي الموت.
** نظلم أنفسنا كثيراً. عندما نعيش أسري الوهم.
** نحن الذين نقتل الحب. عندما لا نفهم. ولا نشعر بما يعانيه الحبيب. خاصة من تصرفاتنا.
** الحب لا يعيش إلا في الهواء.. وهواؤه الصدق والصراحة والإخلاص.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف