عباس الطرابيلى
التعويم.. إيجابيات وسلبيات
لا أحد يعرف على وجه اليقين: هل ربحت البلاد من قرار تعويم الجنيه أم خسرت.. ولكننى أرى أن قرارات التعويم، صباح أمس، كانت ضربة موجعة للمضاربين.. وبالذات للمتآمرين على مصر من خلال ضرب وتدمير اقتصادها.. إذ لاشك أن الذين تآمروا تلقوا ضربات شديدة القسوة.. خسروا فيها مئات الملايين، بعد أن ربحوا مئات الملايين، وخلال أيام قلائل. ولكن الفائدة الأولى هى أن مصر وضعت أقدامها عند أولى درجات الاستقرار المالى.. ولا أحد يجادل أن البلاد دفعت ثمناً غالياً - وخلال ثلاثة أيام فقط - بسبب تذبذب سعر الدولار، الذى تجاوز 18 جنيهاً.. مما هدد البلاد بالدخول فى دوامة رهيبة.. فلا أحد يعرف متى يستقر السعر، ليس للدولار وحده ولكن لكل السلع، بلا أى استثناء.. ولكن جاء قرار التعويم، والأصح قرار تحرير سعر الجنيه، والأكثر صحة قرار معرفتنا وأين تقف أقدامنا بعد أسابيع مريرة من تذبذب السعر، وإن كان أكثرها إلى صعود.. إذ لا أحد يصدق أن يزيد سعر الدولار - فى السوق السوداء - على ضعف سعره فى البنوك، بل وأكثر من الضعف. وهذا أدى بالتبعية إلى تجمد الأسواق: بيعاً وشراءً.. وهذا ترك للمضاربين فرصة ذهبية لجنى الأرباح لم يكن يتوقعها أحد.. وحققوا خلالها أرباحاً لم يتوقعها أحد.
وتحرير سعر صرف الجنيه - عند رقم أساسى يدور حول 13 جنيهاً مع هامش معقول لكل بنك - رغم أنه كبير بين ما كان قبل القرار وما أصبح عليه بعد القرار، أى بزيادة حوالى خمسة جنيهات عن السعر الرسمى السابق، إلا أنه يوفر جواً يؤدى إلى الاستقرار.. مهما كانت تبعاته.. أو خسائره.. ولكنه أفضل من جو عدم الاستقرار الذى سيطر على الأسواق فى الأيام الأخيرة.
وتلك الخطوة يمكن أن تؤدى إلى عودة الشرعية إلى سعر الصرف رغم فداحة الثمن.. ولكنها أفضل كثيراً من عدم الاستقرار الذى أدى إلى عبث رهيب.. وسط جو سيطرت فيه الشائعات على أسواق كل شىء.. هنا نقول إن هدف المتآمرين كان هو «تحطيم» السوق المصرية من خلال تلك البلبلة القاتلة.. إذ كانوا يهدفون إلى تقييد حركة الاقتصاد بيعاً وشراءً.. وبالتالى تعاظم أثر الشائعات.. ليدمروا أكثر الاقتصاد القومى.
ذلك أن فارق الخمسة جنيهات الذى حدث بسبب التعويم أو التحرير هو أقل ضرراً من فارق الضعف بين السعرين الرسمى والأسود.. أى الضرر أقل كثيراً مما كان يستهدفه المتآمرون بنا.. وخير لنا أن نأخذ هذا الإجراء من ألا نتخذ أى إجراء أو سلوك يضرب الاقتصاد كله من خلال العبث بالأسعار.. فأى مخطط رهيب كان يستهدفه المتآمرون بنا؟!
وإذا كنا نتوقع أن ينكمش حجم التعامل على الدولار - ولو لعدة أيام - أو لأسابيع قليلة.. إلا أننا نتوقع أن تكون فى جعبة المتآمرين خطط أكثر إجراماً لمواجهة هذه الضربة التى وجهتها الدولة إليهم، من خلال ضرب أرباحهم التى كانوا يتوقعونها إذا استمرت عمليات المضاربة.. بعد أن تجاوز السعر - ولو لعملية واحدة - 18 جنيهاً للدولار.. وكم نتمنى أن تسبق الدولة خطوات المتآمرين -ولو كانوا مجرد مضاربين دخلوا اللعبة بعيداً عن المتآمرين رغم أنهم من المستفيدين - إلا أننى أتمنى أن نسبق خطوات هؤلاء المتآمرين.. وهؤلاء المضاربين - لنجعلهم بالبلدى «ينقعوا الدولار فى المياه.. ويشربوه ويشربوها» لأن اقتصاد البلد هو الباقى.. هذا إذا كنا حقيقة نريد أن نبنى اقتصاداً وطنياً سليماً. ونحن فعلاً نريد ذلك!!
■ ■ وإذا كان فارق الخمسة جنيهات بين السعر الرسمى القديم.. والسعر الرسمى الجديد سيؤدى إلى زيادة الأسعار على المستهلكين، وبالذات على البسطاء.. إلا أنه أخف مما كان سيقع لو استمر تركنا لسعر السوق السوداء ليتجه صعوداً.. لأن الثلث أفضل كثيراً من الضعف!! ولكن هذا القرار بالتحرير يعنى مزيداً من الإجراءات.. منها التشدد فى مراقبة عمليات بيع وشراء الدولار حتى داخل البنوك. إذ يمكن أن تتم بعض العمليات خارج «الشبابيك» ليستفيد منها العابثون من داخل البنوك نفسها وممن يتخذون فروع البنوك مكاناً للعب والعبث!! فهمتوها؟
■ ■ ومن المؤكد أن قرار اتحاد الغرف التجارية التوقف عن شراء الدولار مع ترشيد الاستيراد لمدة ثلاثة شهور كان عنصراً إيجابياً فيما جرى.. ولكن الأفضل منه أن يمتد تجميد استيراد كثير من السلع ولو إلى عامين، أو حتى ثلاثة، لأن ذلك سيدفع السعر إلى الاستقرار أكثر وأكثر.. وبالتالى تخفيف حدة الطلب على الدولار.. والأهم يؤدى إلى تثبيت أسعار السلع، ولو لبعض الأمور، أى لتخفيف آلام الغلاء عن الناس.. وهذا هو الأهم.
■ ■ ولابد أن يقابل ذلك محاولة زيادة عائدات صادراتنا بأى طريقة ولو كان على حساب ما يطرح من الإنتاج المصرى فى الأسواق المحلية. على الأقل بهدف إحداث تقليل الفجوة بين الصادرات والواردات.. أى الميزان التجارى. وهذا كله طيب.. والمهم أن نسبق مخططات المتآمرين، حتى لا تكون قراراتنا مجرد رد فعل لمؤامراتهم التدميرية.