الأهرام
ابراهيم حجازى
... فيهـا حاجـة حلـوة!
>> المؤتمر الوطنى الأول للشباب «أبدع وانطلق» احتضنته شرم الشيخ.. التى تعانى من أنها الأجمل على كل مدن العالم وبقدر التميز الذى حباه الله لتلك البقعة الساحرة على شاطئ البحر الأحمر فى جنوب سيناء.. كانت الحرب على المدينة الساحرة.. حرب تجفيف السياحة فى إطار الحرب الكبرى المعلنة على مصر.. حرب إرهاب وحرب نفسية وحرب اقتصادية..

المدينة التى تملك أعلى مقومات السياحة.. ليس فيها سياح وفقًا لرغبة الغرب على أمل أن تقع مصر.. ومصر لم ولن تقع.. ولعل تلك هى واحدة من عشرات الرسائل الموجهة للعالم كله من خلال أكبر تجمع شبابى شهدته المنطقة العربية بأسرها لا مصر وحدها.. أكثر من 300 شخصية عامة من كافة التخصصات و3000 شاب وفتاة يمثلون مختلف الأطياف.. شاركوا فى 83 جلسة وورشة عمل على مدى 120 ساعة.

مؤتمر الشباب الوطنى الأول.. شكلاً ومضمونًا لم تشهد مصر مثله من قبل!. رأيت فى عيون الشباب دهشة ممزوجة بفخر وامتنان وهم فى مؤتمرهم. يديرون ويناقشون ويتساءلون ويوافقون ويعترضون ويتكلمون وينصتون!. الدهشة والإعجاب والامتنان من أن شعارات الاهتمام بالشباب التى سمعوها كثيرًا ولم يروها مطلقًا.. هى واقع يعيشونه فعلاً فى المؤتمر الذى هم نجومه.. والدليل أن المتحدثين فى المؤتمر 487 متحدثًا بينهم 330 شابًا!. عاشوا اللحظة التى فيها يعبرون عن رأيهم فى مختلف القضايا على المنصة.. وأمامهم كبار رجال الدولة يستمعون!. لحظة أظنها فارقة ويقينى أنها ستكون.. بل أصبحت بالفعل واقعًا للأفضل القادم بإذن الله.. المؤتمر شهد 15 جلسة خاصة بالاقتصاد شارك فيها 180 متحدثًا!. محور الثقافة شهد 30 جلسة وورشة عمل و160 متحدثًا!. السياسة انعقدت لها 23 جلسة وورشة عمل و121 متحدثًا!.

ثلاثة أيام غير مسبوقة فى مصر المحروسة هى عمر المؤتمر.. وجاء الختام وسامًا على صدر المشاركين وعلى مستوى الجهد والفكر والحوار المبذول فى 83 جلسة وورشة عمل!.

الرئيس السيسى فى ختام المؤتمر.. فاجأ من كانوا يتابعون هذا الحدث غير المسبوق فى الخارج والداخل.. فاجأهم وإن شئنا الدقة صدمهم.. لأن كلامهم ورهانهم.. أن ما يحدث فى شرم الشيخ.. شكل بلا مضمون.. وضجيج بدون طحين.. وجاء الختام.. وكالعادة.. أفحمهم الرئيس السيسى وهو يعلن عن 8 توصيات هى خلاصة 172 ساعة جلسات وورش عمل.. شارك الشباب فيها بجد وتكلم بجد وطالب بجد.. وفوجئ أن خلاصة حواراته أسفرت عن 8 قرارات جمهورية.. صناعة شبابية!.

حقًا.. مؤتمر وطنى.. حقًا مؤتمر للشباب.. حقًا الحوار ولا شىء إلا الحوار هو من يوصلنا إلى نتائج.. بل لقرارات جمهورية!. مبروك سيادة الرئيس.

....................................

>> الهوية المصرية.. فى أى مكان تكمن؟

سؤال علينا الإجابة عنه بحق وعن حق إن أردنا الكلام عن كيفية استعادة هذه الهوية الآن!

الحقيقة أن هذه الهوية تعرضت إلى حرب شرسة غير مرئية لتغيير ملامحها والأفضل رحيلها ولم تجد من يحميها من الاعتداء السافر والطمس المتعمد على مدى سنين طويلة.. كانت كفيلة بإغراق المناخ العام فى حالة لامبالاة هائلة لما يحدث وكأن الأمر لا يعنينا أو أن فقدان ملامح هذه الهوية لا يضيرنا.. إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه.. فوضى وكراهية وكل ما هو سلبى!.

الكلام الموجود فى السطور السابقة.. مؤكد أنه غريب وغير مألوف لدى الشباب الذى لم يجد من يقوم بتعريفه على الهوية أو تعريف الهوية عليه!.

كلام يبدو غريبًا فى موضوع أغرب.. لأنه من سنين طويلة.. ربما قبل أن يولد هذا الشباب.. أحد لم يتطرق إلى هذه القضية أو ينبه إلى أن الهوية المصرية يتم تمزيقها وبعثرة أشلائها لأجل محو ملامحها!.

مصر اليوم تخوض حربًا حقيقية على كل الاتجاهات!. حرب عسكرية ضد الإرهاب ميدانها الرئيسى فى سيناء التى كانت مؤهلة وجاهزة لإعلانها ولاية إسلامية فى 5 يوليو 2013.. من خلال الجماعات الإرهابية المتطرفة التى تحمل أسماء مختلفة وجميعها يتم تمويله من الخارج وتم ويتم تسليحه وتعويضه بأحدث ما هو موجود فى ترسانة السلاح الغربى!. وأيضًا هناك إرهاب آخر يظهر من حين لآخر فى أنحاء مصر متمثلاً فى عمليات اغتيال لأشخاص وتدمير لمنشآت!. مصر تواجه حربًا اقتصادية بالغة القسوة.. ناجمة عن تراكمات قديمة خلقت أزمات مستحكمة كان يمكن مواجهتها وإيجاد حلول لها.. إلا أن الخارج أخذنا إلى مواجهات أكثر صعوبة!. حرب تجفيف منابع الدولار وأهم مصادرها السياحة وتحويلات المصريين بالخارج!. السياحة.. تراجعت مع فوضى ثلاث سنوات مليونيات.. وتم القضاء عليها بتدبير مُحكم يوم سقطت الطائرة الروسية بعد إقلاعها من شرم الشيخ.. وبريطانيا أخذت المبادرة وأوقفت رحلات طيرانها إلى مصر وتلتها أوروبا كلها.. وقُضِى الأمر!. والتحويلات.. الإخوان يشترون الدولار من المصريين فى الخليج بـ19 جنيهًا!. ليس مهمًا أن يخسروا.. الأهم عندهم وقوع مصر!. وفوق هذا وذاك اختلاق مشكلات لا على البال ولا الخاطر.. مثل حدوتة الشاب الإيطالى ريجينى التى ضربت علاقة وطيدة مع دولة مثل إيطاليا!.

الحرب على الهوية قائمة منذ سنين ومستمرة للآن.. لتتضاعف الخطورة لأن مصر فى حرب صعبة صعبة صعبة تخوضها مصر عسكريًا واقتصاديًا ونفسيًا!. الحرب العسكرية نحن لها والأيام بيننا وبإذن الله جيش مصر سيجفف منابع الإرهاب ويقتلع جذوره!. الحرب النفسية هى الأخطر علينا.. لأن من يخطط لها أجهزة مخابرات عدة دول وتستهدف الشعب المصرى بصورة مباشرة.. وتضغط بشدة على الأزمات الناجمة عن الحرب الاقتصادية!.

عندما تكون هذه هى الصورة الحقيقية لما تواجهه مصر.. علينا أن نتذكر الهوية المصرية.. باعتبارها طريق الوصول إلى الانتماء.. الذى هو أقوى جهاز مناعة ضد كل حروب العالم النفسية!.

الهوية تشكلها حواس الإنسان.. العينان والأذنان والفم أو اللسان «التذوق» والأنف «الاستنشاق».

الذى وُلِدَ فى ريف مصر مثلاً وعاش طفولته وجزءًا من شبابه فى قرية.. وانتقل فيما بعد للمدينة للدراسة أو العمل.. هو ارتبط بما طبعته حواسه فى الوعى واللاوعى للمكان الذى وُلِدَ وكَبُرَ فيه.. قريته ومعالمها المحدودة التى تبدأ من مدخلها إن كانت محظوظة وتقع على البحر!. هو لا بحر «ولا حاجة».. هو مجرد ترعة صغيرة لكنه بحر بالنسبة للقرية الصغيرة!. مدخل القرية تتصدره أشجار الصفصاف المائلة فروعها على «البحر».. وبرج حمام وسط صف نخيل ينتهى بشجرة جميز ضخمة!.

هذه الصورة مكتملة انطبعت فى العقل وترسخت فى الوجدان وأصبحت أحد ملامح الوطن الصغير للطفل وجزءًا من هويته وظلت راسخة فى وعيه ولاوعيه مهما كبر ومهما ابتعد ومهما رأى فى المدينة .. بقيت أشجار الصفصاف وبرج الحمام وشجرة الجميز.. هويته التى صنعت انتماءه لموطنه القرية الصغيرة!.

مرت سنوات وعاد الشاب إلى قريته.. فوجئ بما جعله يظن أنه أخطأ مكان موطنه!. قطعوا أشجار الصفصاف وهدموا برج الحمام وأزالوا الجميزة الكبيرة الضخمة التى احتضن ظلها طفولتهم وشبابهم!.

الصورة المطبوعة فى الذهن أو الهوية التى تجسدت فى الوجدان تمزقت.. والقرية التى كان يعرفها لم يتعرف على ملامحها من بعيد.. لم يعد يعرفها ويقينه أنها الأخرى لا تعرفه.. لأن الهوية التى صنعت هذا الارتباط من خلال حاسة النظر لم تعد موجودة!.

1ـ تذكرون حضراتكم الفراولة البلدى التى هى فاكهة مصرية أبًا عن جد!. فراولة لها رائحة مميزة رائعة!. فراولة لها طعم خاص ومذاق مميز ورائحة مستحيل أن تخطئها وشكل جميل لا تنفر منه العين!.

الفراولة المصرية اختفت من على ظهر الدنيا ولم يعد لها وجود.. لماذا؟.

اختفت الفراولة وأتحفونا بنوع من الفراولة.. لا شكل ولا طعم ولا رائحة.. شىء يجعلك تكره نفسك!. حاجة «ملظلظة» وكأنها غارقة فى عَرَقِها!. الفواكه المصرية الأصيلة من نعمة ربنا أن لها شكلاً ولها رائحة ولها مذاقاً.. والشكل والرائحة والمذاق أصبحت علامة مميزة تحتل مكانة فى ذاكرتنا لأنها جزء من هويتنا!.

يقينى أن ما حدث.. هو فقدان شكل ورائحة ومذاق.. هو تمزيق الهوية التى انطبعت داخلنا بحاسة النظر وحاسة التذوق وحاسة الاستنشاق.. والبديل لا شكل له ولا مذاق فيه ولا رائحة!.

2ـ الفول المدمس «المكمور» بتاع زمان الذى تشبع من رائحته قبل أن تتذوقه!. أين هو؟. حل مكانه فول آخر لا أعرف من أين جاءوا ببذوره.. هو الآن الموجود.. ولا تسأل عن رائحة ومذاق وكلاهما مرتبط بالهوية!.

3ـ «كوز العسل الإسماعيلاوى».. اختفت التقاوى الخاصة به.. وحل مكانه «حاجة مكعبرة» اسمها الكنتالوب.. وللحق له رائحة لكنها مُنَفِّرة أما الطعم.. كأنه دواء «حامض»!. وما حدث لكوز العسل.. جَرَىَ للشمام.. اختفيا من حياتنا!.

4ـ تذكرون حضراتكم الورد البلدى المصرى!. أجمل رائحة فى أجمل وردة فى العالم!

الورد البلدى اختفى!. مكانه ظهر ورد شكل البلدى واسمه «النسر».. بلا رائحة مطلقًا وكأنك تستنشق «كوز ذرة»!.

5ـ القصب الأحمر اللون (خد الجميل) الذى كان المصريون يتمتعون بمذاقه.. اختفى وكأن «النداهة» خطفته!.

6ـ المانجو المصرية التى لا يوجد مثلها أو قريبًا منها فى العالم!. مذاق خاص جدًا ومميز جدًا.. سواء التيمور أو العويسى أو الفص.. جميعاً خارج المنافسة وفى مكانة عالية.. رائحة وطعم ومذاق ومزاج!.

المانجو المصرية يتم من سنوات ضربها لأجل استئصالها ومحوها مثلما حدث فى الفواكه المصرية الأخرى الأصيلة!. استوردوا أنواعا أجنبية.. الثمرة فى حجم البطيخة الصغيرة.. وإن كان للبطيخ رائحة مميزة.. يكون لها رائحة!.

قال إيه: إنتاجها أكثر وريحتها أكبر!. طيب وماذا عنا كمصريين؟. أليس من حقنا أن يبقى ما ارتبطنا به وبات جزءًا من هويتنا وحياتنا!.

7ـ الرئيس فى المؤتمر الوطنى للشباب.. تحدث عن حتمية استعادة الهواية!.

كلام الرئيس رسالة لنا جميعاً لأجل التصدى لحرب تمزيق الهوية المصرية القائمة من سنين طويلة.. بمحو كل شىء ارتبطنا به وتقديم بديل مسخ!. فعلوها فى طعامنا.. فعلوها فى السينما.. فعلوها فى كلمات الأغانى.. فعلوها فى كل شىء!. الأرز المصرى الذى لا مثيل له.. يتم حصاره بسلالات شكلها غريب ومذاقها أغرب ورائحتها بعد طبخها أغرب وأغرب!. وعندما تسأل.. الإجابة جاهزة!. نريد أنواعًا إنتاجيتها أعلى!. وأنا بل وكلنا موافقون على الأنواع الجديدة المختلفة جذريًا عما انطبع داخلنا شكلاً ورائحة ومذاقًا.. ومع ذلك موافقون بشرط.. أن تبقى السلالة المصرية.. يبقى الأرز المصرى.. لأجل الحفاظ على ما تبقى من هويتنا!.

8ـ هم لم يحافظوا على جذور أو تقاوى ما تم محوه من مصر.. ولا أظن هذا جهلاً أو سهواً!. أظنه عمداً مع سبق الإصرار!. أظنه مشروع نسف كل ما ارتبط المصريون به.. لأنه نسف للهوية!.

ابحثوا عن الربح إن كانت المسألة فلوس ولا أظنها كذلك.. افعلوا لكن لا تمحوا كل ما هو مصرى أصيل من هويتنا لأن البديل مستحيل أن يشكل هذه الهوية أو يصبح من مكوناتها!.

9ـ الهجوم على حواس الإنسان التى تُشَكِلْ هويته.. ظهر أكثر شراسة وأكثر وضوحًا فى مجالات أخرى!.

فى الزراعة لم يكن الأمر واضحًا وبقى مَخفِيَّا لأنه تم بهدوء وعلى مرحلة زمنية طويلة.. فى غياب الرقابة الحكومية وغيبوبة الشعبية!. طيب الحكومة غايبة.. أين الشعب الذى اختفت من حياته فواكه وأطعمة أحبته وأحبها!. على فكرة هذه القضية طرحتها فى هذا المكان ربما قبل سنوات.. والغريب أن أحدًا لم يهتم رسميًا وشعبيًا!.

10ـ لأن تجربة محو الهوية نجحت بامتياز فى الزراعة.. لماذا لا يتم تطبيقها فى كل ما يؤثر على حواس الإنسان؟

السينما فى الحقيقة أخذت على عاتقها المهمة بعد أن سلمتنا الدولة للقطاع الخاص تسليم مفتاح.. يوم تخلت عن إنتاج الأفلام!.. السينما تؤثر بصورة مباشرة فى الإنسان من خلال حواسه!. السينما بنظرية الإلحاح تطبع ما تريده فى العقل والروح والقلب!. السينما تأثيرها رهيب ومع ذلك تركتها الدولة!.

عندما نفاجأ بأفلام «قطعية» واحدة غير معلوم على وجه الدقة مصادر تمويلها!. أفلام طمست الهوية المصرية وشوهت الشخصية المصرية.. بل شوهت مصر كلها بإصرارها وإلحاحها على أن مصر هى التى نراها فى الأفلام!. أغفلوا أعظم شواطئ فى العالم!. أغفلوا إحدى أجمل مدن العالم.. شرم الشيخ والغردقة!. أغفلوا أروع مناطق غطس فى العالم!. اتعموا عن النيل!. اتعموا ولم يروا المدن الجديدة!. اتعموا ولم يروا الجدعنة والشهامة والرجولة والنخوة والانتماء فى أحيائنا الشعبية العريقة!. اتعموا عن تصوير كل ما هو جميل فى مصر.. ولم يجدوا إلا الأماكن القذرة وهى فى كل مكان بالعالم والشخصيات المنحرفة وهى فى أى مجتمع بالعالم.. لكنهم لم يروا غيرها باعتبار ذلك هو الفن.. وكأن الفن لا يرى الجمال ولا يحب الإيجابية!.

هم فعلوا بنا ذلك من سنوات ومازالوا!. ما قامت به السينما وليس كل الأفلام بالطبع.. كان حربًا بلا هوادة على الهوية.. حرب انتصرت فيها سينما تشويه مصر!. انتصرت بالضربة القاضية ومن لا يصدق.. يسترجع حكايات ومشاهد تلك الأفلام وانعكاسها على سلوكيات الفوضى والكراهية التى نعيشها!. السينما استهدفت حاستى البصر والسمع.. وهو نفس الحال الذى سلكته الأغانى التى انحدر مستواها للحضيض!. من كلمات مُبْدِع مثل الشاعر حسين السيد.. إلى أى كلام والسلام لأى «حد»!.

إنها إحدى حروب الجيل الرابع.. الحرب على الهوية من خلال حواس الإنسان!.

مهما فعلوا.. مصر فيها حاجة حلوة ستبقى لآخر العمر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف