الأهرام
ليلى تكلا
الثقافة هى حافظة التراث ودفة الحاضر وبوصلة المستقبل
حاولنا فى حديث سابق توضيح وتأكيد المفهوم الثنائى الصحيح المتكامل للثقافة وأنها ليست ترفاً ولا رفاهة ولا هى مجرد التعبيرات الثقافية من كتابة وشعر وسينما ومسرح وغيرها، إنها بالإضافة إلى كل ذلك نمط الحياة الذى يسود مجتمع ما فيحدد القيم وبالتالى يؤثر على المواقف والقراراتويشكل الوعى السياسى والاجتماعى والاقتصادى للمجتمع الذى يشمل العادات وأشكال السلوك إلى جانب المعنى الخاص الذى يشمل التعبيرات الفنية والأدبية وسائر النتاج الإبداعى الذى يعبر عن هذا الوعى وأيضاً يساهم فى تشكيله. ونحاول اليوم تأكيد المفهوم الثلاثى للثقافة من حيث الزمن وهو الذى يمتد من الماضى ليشمل الحاضر ويرسم المستقبل.

ذلك الإطار الفكرى النفسى الأخلاقى الذى يحدد نمط الحياة اليوم هو نتيجة كل ما مر به المجتمع من أحداث وتغييرات أثرت فى السلوك سلبياُ أو إيجابياً، كلها معاً تشكل تراث الوطن.

تبدو أهمية هذه الحقيقة واضحة بالنسبة لنا فى مصر. لدينا تراث هائل ضخم نادر، علينا الحفاظ عليه ودعم ارتباط واعتزاز المواطن بثقافته وتراثه ونحن فى نفس الوقت هدف ثقافات وافدة دخيلة تركت لنا موروثات ثقافية سلبية وخزعبلات تصيب الفكر بالوهن والتخلف، استغلها أعداء مصر لإصابة المجتمع بأمراض الردة والتخلف والتعصب والاستعباد والإستبعاد وتشجيع ثقافة العنف ونشر المبادىء غير الصحيحة للدين لتبرير الإرهاب وتحويل الإنسان إلى آلة لا تفكر فيما يفرض عليها فى وقت نحتاج فيه إلى حماية قيمنا وإعمال ثقافة العقل.لذلك أصبح من المهم أن نفرق بين التراث الذى يثرى والموروثات والعادات السلبية الضارة. الثقافة إحدى آليات حماية هذا التراث – إن لم يكن أهمها – تتناقله عبر الأجيال وهى أيضا وسيلة تصحيح ما يصيبه ويعتريه من سلبيات

ونحن بسبب ما مررنا به من تعدد وتعاقب حكام دخلاء وغزاه طامعين، تغلغلت فى الوجدان ثقافة رفض السلطة. أصبحنا نكره السلطة ومن بيدهم السلطة. استقرت ثقافة الرفض والنقد والاعتراض والغضب والشكوى والهدم مهما تكن الإيجابيات خاصة وقد واكب ذلك كثير من القهر والتعصب وعدم المساواة. عشنا طويلاً تحت حكم غزاة كانوا من أشكال وأنواع وألوان وأجناس مختلفة غرباء يتكلمون لغات مختلفة ويعيشون بأساليب متباينة لا ينتمون إلينا ولا ننتمى إليهم مصالحهم هى الهدف بغض النظر عن مصالحنا ومصلحتنا. ثم جاءت أفكار غرست فى عقل المواطن أن الدولة مسئولة عنه وعن احتياجاته بصورة كاملة علاقة هو فيها المتلقى وليس المشارك أو المساهم.

تجسد لى ذلك الواقع خلال جولة لمست فيها إنبهار العالم بمشروع قناة السويس الجديدة وغيرها وإعجابهم الصريح المعلن بالرئيس السيسى لشجاعته وبدور مصر فى التصدى للإرهاب الذى يهدد العالم.. لدى عودتى وجدت أننا هنا نتعامل مع كل الإنجازات وكأنها حدث عادى أو مجرد مشروع آخر. مع تجاهل أو إنكار معجزات ضخمة فى مجالات كانت مهملة طويلاً.لمست رواسب تغلغل ثقافة الرفض والاعتراض وعدم الرضا التى تغلغلت عبر سنوات طوال كان الحكام خلالها يمرون من فوق رءوسنا ومن حولنا ثم يذهبون ويأتى غيرهم مثلهم أو أكثر سوءاً فكان طبيعياً أن ترسخ قيم العداء لهم جميعاً.

إنه ميراث ثقيل تدفع القيادة الحالية ثمنه الباهظ ولابد من الإعتراف بأن الواقع الحالى يختلف تماماً. القيادة المصرية جاء بها الشعب ولم تفرض عليه منا وتعمل لنا ومعنا. انتخابات البرلمان توافرت لها النزاهة والحرية وجاءت بمجلس يضم جميع طوائف الشعب وخصائصه الإيجابى منها والسلبى. الرئيس يعمل جاهداً لعبور الفجوة بين الشعب والحكام وإعادة بناء الثقة يفعل ذلك ليس فقط قولاً لكن فعلاً بالقدوة والمثل والعطاء المستمر والمساواة بين المواطنين والاهتمام الخاص بالفئات التى تعانى، وعلينا اليوم أن نعيش هذه الحقائق الجديدة وتأكيد أن التنمية التى للبشر هى أيضاً بالبشر وأن مسئولية ومشاركة المواطن هى الوسيلة الأساسية لتحقيقها مما يتطلب ضخ ثقافة صحية صحيحة تصحح السلبيات، تنشر القيم التى تؤدى إلى الانتماء وحسن استثمار الطاقة والموارد وأهمها البشر... وبذلك نرسم المستقبل الذى نسعى إليه.

ذلك المستقبل لا نصنعه غداً بل اليوم بعد أن تحددت معالمه بالأمس. كل ما مررنا به فى الماضى بالإضافة إلى نمط الحياة الذى نعيشه اليوم يحدد قدرتنا على تحقيق أهداف الثورة التى نطالب بها جميعاً وتسعى الدولة جاهدة لتحقيقها من عيش وحرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية.. أهداف تتطلب مشاركة المواطن ووعيه كما تقتضى غرس القيم التى تقود إلى تحقيق ما نصبو إليه.

التنمية لا تتحقق إلا بتغلل ثقافة حب العمل، التقدم يقوم على ثقافة إعمال العقل، حماية الموارد تتطلب ثقافة ترشيد الإستهلاك، التلاحم الوطنى يقوم على ثقافة قبول التعدد واحترام الاختلاف، فوضى الشارع تعالجها ثقافة الانضباط، والفساد يحد منه ثقافة الإنتماء. مشكلة السكان تتطلب ثقافة الأسرة الصغيرة ...وهكذا

إن مجرد صدور قانون أو قرار معين لن يحل كثيرا من مشكلاتنا نحن إن أردنا نشر سلوك أو قيمة معينة علينا نشر الثقافة التى تؤثر فى الفكر وتقود إلى ذلك السلوك فالقانون لا يترجم إلى واقع إلا فى ظل ثقافة تدعم ما ينص عليه القانون ويطالب به، والسلوك يأتى من فكر معين والفكر نتاج ثقافة معينة. هناك إذن علاقة سببية بين الثقافة السائدة والفكر وبذلك فإن تغيير السلوك يقتضى تصحيح الفكر السائد والفكر لا يغيره إلا فكر آخر يحل محله..

فما هى آليات ضخ هذه الثقافة المطلوبة التى تغرس ما نحتاجه من قيم وأسلوب فى الفكر والسلوك.. ولهذا حديث قادم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف