الجمهورية
المستشار محمد محمد خليل
خبرة القاضي وثقافته
خبرةالقاضي الجنائي وثقافته ضرورة عملية وقضائية لاصدار أحكامه. وفق قواعد العدل الذي يسعي القضاء دائماً لتحقيقه. ومن أجله أقيم.
القضاء ملكة أعطاها الله سبحانه وتعالي لبعض الناس تصقل بالقراءة الدائمة وبالمداولة وبالتلقي ممن سبقه من الأساتذة الأفاضل حتي يؤهل للجلوس علي منصة القضاء.
القاضي يسعي إليه الناس يطلبون منه تحقيق العدل والحصول علي حقوق ضاعت. وتثبيت حقوق قد تضيع مستقبلا.. المرحلة التي يقضيها من يعمل بالهيئة القضائية منذ التحاقه بها حتي جلوسه علي منصة القضاء.. هي تربية. وتعليم. وتوجيه. يتعلم فيها كيف يبحث وكيف يستنبط الأحكام ويفسر القوانين ويفهمها وقصد المشرع من اصدار نص معين.. كان أول ما تعلمناه في القضاء المدني هو ضرورة الحصول علي الاعمال التحضيرية للقانون المدني الصادرة في ستة مجلدات والتي تحوي مناقشات البرلمان المصري سنة 1948 تعرف منها مقصد المشرع من وضع مادة معينة. وتتذوق روحه. ولماذا يضاف حرف الواو أو الياء في كلمة معينة ومتي يلزم حذف حرف آخر.. كان الدكتور أحمد فتحي سرور والدكتور حسن صادق المرصفاوي يشرحان قواعد القانون الجنائي بأنواعه وكأنهما يعزفان أنغاما موسيقية تبعث الثقة وحركة الفكر وتشحذ العقل وتشعر وكأنك في محراب قدسي لا تستطيع ان تغفل عنه لحظة واحدة.
في مجال العمل الجنائي قد يصل الاندماج في القراءة والتعايش مع الأحداث الي حد لا يمكن للقاضي الافلات من التأثر النفسي والعقلي مما يقرأ.
واقعتان أذكرهما: الأولي حين كنت قاضياً بالمحاكم الابتدائية منذ خمسة وثلاثين عاماً عرضت علي قضية ضرب ابن لأمه. وحبسها في حجرة مظلمة لا تخرج منها الا عند قضاء حاجتها لا تري أحداً ولا يراها أحد. منع أخاه وأولاده من رؤيتها محتجاً أنها مريضة ولا ترغب في رؤية أحد وكان ذلك بسبب رغبة هذا الابن في الاستئثار بملكية قطعة أرض زراعية دون أخيه.
بالجلسة حضرت الأم المجني عليها وروت ما حدث لها ولم يجد الابن سبيلا الي الدفاع عن نفسه كما لم يجد محاموه سببا لطلب البراءة وحين نطقت المحكمة بقرارها: الحكم آخر الجلسة صرخت الأم "أنا سامحته يا بيه.. وحياة النبي أنا سامحته اعمل معروف يا بيه" هذا ما سمحت لها معرفتها بالحديث.. تذكرت ما سمعناه من الأهل قديماً: قلبي علي ولدي انفطر وقلب ولدي عليّ حجر..
القاضي في مثل هذه الحالات في حيرة.. الواقعة مثيرة ومؤذية نفسياً ووجدانيا تجعل الحكم بالادانة مستوجباً إلا ان قلب الأم ورجاءها لا يمكن اغفاله وفي معاقبة الابن بفعلته عذاب آخر للأم.. ولم يكن أمام القاضي الا ان يأمر المتهم بالانحناء لتقبيل يدي أمه وقدميها وكان الحكم بالحبس مع وقف تنفيذ العقوبة لتحتضن الأم وتبكي بحرقة ومرارة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف