لم يعد عندهم ما يسمي بالطبيب النفسي في معظم البلاد المتقدمة والسبب لا يرجع لعدم أهميته.. بل للحاجة القصوي إليه.. لذلك فقد أدخلوا التخصص النفسي علي كل التخصصات.
فطبيب الباطنة درس علم النفس باستفاضة ليعرف كيف يتفاهم مع معدتك وامعائك وكل ما في بطنك.. فما بداخلها مرتبط بما تحمله في نفسك من متاعب وهموم وضغوط وان زرت طبيب القلب فهو واع بما يؤرقه ويزيد دقاته. ومثله طبيب العظام والنساء.. وكلهم نجحوا أولا في دراسة نفسك كشرط لنجاحهم في الأسنان أو حتي الجراحة العامة.
الباب المفتوح
ولك أن تتخيل ان أخطر الأمراض وأهونها أنت من يفتح لها الباب أو يغلقه في وجهها فأحدث دراسة أثبتت ان تكرار الأنفلونزا بل مجرد اصابتك بها تعني انك حزين.. فالمنديل الورقي والعطسة والكحة تؤكد أنك لست سعيدا وإلا لقهرت هذا الفيروس الضعيف وهزمته فرحتك وسعادتك.
وكان يراودني السؤال.. لماذا أجري تحت المطر في شوارع مدينة أوروبية أو في الإسكندرية ولا يصيبني مرض.. في حين ان فتحة صغيرة في نافذة البيت وأنا علي سريري مغطاة بالبطاطين هي بداية دور برد.
بالطبع لأن الغطاء ليس من صفو وإنما نحتاج رشات سعادة.. أمان.. دفء الاحتواء.
امرأتــــــان
علي الطريق أشاهد أمامي امرأتين.. الأولي وضعت الماكياج علي وجهها بعناية شديدة الخطوط حول كل ما تريد التأكيد عليه هذه العيون يحيطها أسود "الآي لينر" وتلك الرموش بالواحدة.. وتلك الشفاة حمراء قانية والثوب يكمل اللوحة.. مشدود علي الخصر.. يبرز كل ما تريد إظهاره.. أما تسريحة الشعر فلا تترك لشعرها فرصة الطيران.. كله تحت السيطرة وصديقتها بجانبها جمعت شعرها وتركت منه ما انفلت للهواء غير عابئة.. بلوزتها متسعة لا تسعي لنظرة إعجاب.. وبنطلون يخفي باقيها.
الأولي زوجة لرجل.. دفعها لمزيد من تجمل والثانية استكفت لأن لها زوجا كفاها الحاجة لكلمات مدح من صديقه أو زميله.. مازالت الأولي تستجديها.. وقبل الحكم فتش عن النفسية.. انها الدافع الحقيقي والخفي وراء كل التصرفات.
يا طبيب.. القلب
كل هذا يعيدنا لما بدأنا به. كل مرض تقريبا بدايته نفسي.. طبيب القلب يؤكد ان الشريان ضاق.. والدم لم يعد يتدفق.. نعم يضيق من شدة الضيق لم يعد يحتمل ضغوطا ولا الدم وجد من يمنحه الدفعة ليجري ويسعد ويندفع.. فمنا من دافع.
وطبيب الأسنان يؤكد انه السكر الذي تأكله هو الذي نخر في أسنانك.. وطبيبك متأكد انك تلتهم كل هذا الحلو تعويضا عن مر تعايشه.
وطبيب الجلدية علي الشاشة أمامي يؤكد.. النساء تشكو سقوط الشعر.. ولنا نعالج أمراضه.. واتضح ان أصعبها وأهمها ذلك الذي تقطع فيه الواحدة شعرها بيدها.. حركة عصبية مازال الطب يبحث لها عن حل.. نفسي.
المؤكد طبيا وواقعيا أن المرض وحتي الاصابة وليدة نفس مجروحة.. فلا تترك ذاتك لمن يدمرها لك.. ابتعد عن كل ما يقتل وداعتك ويضغط سماحتك.. ويستنفر انفجاراتك ويستدعيك للحرب.
حاسب علي روحك وامسك.. نفسك.