يسرى الجندى
خاطرة .. هل نسترد ما ضاع منا؟ »4«
تصادف أن تابعت منذ فترة حواراً تليفزيونياً مع (الدكتور محمد العريان) الاقتصادي المصري الكبير المقيم بأمريكا.. وكان الحوار صادقاً ومرهقاً لمن لا خبرة له مثلي بعلوم الاقتصاد ومفاهيمها الدقيقة، ولكن هذا لم يمنع من تابع بتركيز أن يدرك أن الدكتور العريان لم يصل بنا إلي رؤية للحلول التي ألحت في طلبها المحاورة الإعلامية (لميس الحديدي). لكني أزعم أن الدكتور العريان اشار في النهاية إلي أن الشعب في حاجة إلي (صدمة ثقة) وهو تعبير غير مألوف لكنه حقيقي في رأيي. إنه ينتهي إلي بعد سياسي يغلبه علي البعد الاقتصاد المربك وإن كان يعتبر ذلك ضمنياً يفضي إلي بعد اقتصادي لا مفر منه وهو (عودة الإنتاج)!!
- كان الرجل بالغ الصدق والوطنية لأنه رفض أن يطرح أوهاماً أو أكاذيب مضللة كما يفعل البعض.
- هذا الحوار الصادق يعود بنا إلي بداياتنا في شأن أهمية المشاركة الشعبية التي هي جوهر ما ذكره الدكتور العريان عن الثقة أو صدمة الثقة التي يحتاجها الشعب لتنهض ارادته.. ويكون شريكا فاعلاً في صياغة حركة الواقع لصالح الوطن وأهله.. وهو ما تحقق خلال حرب أكتوبر.
- لكن في أعقاب هذه الحرب.. سرعان ما اتسعت المسافة بين مسار الأمور علي الأرض.. وبين الناس.. وأحلام الناس بعد حرب واعدة توحد معها كيان الشعب المصري وتأكدت إرادته.
- بدأ التباعد علي بعد سنوات قليلة مما تحقق.. ثم تزايد عندما تردد بقوة أن هذه الحرب هي آخر الحروب ولا حرب بعدها مع عدونا التاريخي أو مع غيره وتردد معها أن علي المصريين أن ينتظروا الرخاء الدائم والاستقرار المقيم - وقيل وقتها.
(من لم يدرك الثراء في الزمن السعيد القادم إلينا.. فعليه إثم تخلفه.. وخطيئة غبائه) وتبلور سريعاً الشعار المنحط (اخطف واجري!).. وهكذا واكب هذا المسار الجديد مسار آخر.. يسعي لطمس كل نبيل في العقل المصري.. وإبادة كل إنجاز للشعب في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.. وإزاحة كل ما تحقق من مكاسب الغالبية توسيعاً لمكاسب تخص قلة قليلة لتتعاظم سريعاً.. وتعود بنا إلي مجتمع آخر ومصر أخري وتقريباً ما كان يسميه عبد الناصر بمجتمع النصف في المائة!.. ولت أحلام التنمية المتكاملة وتوارت أعلام التحرر ورفض أي خضوع للتبعية. كان الرئيس السادات قدحدد موقفاً مغايراً مناقضاً تماما لزميل ثورة 23 يوليو وقائدها ورسم صورة هذا الموقف كما يشاء بعيداً عن أي مشاركة شعبية أو حزبية أو نخبوية بما فيها ما اتخذه من قرارات في كامب ديفيد تمس المصير المصري والعربي كله.. وكان ذلك مدخلاً إلي ما حل بالكيان العربي - بعد التئام في حرب اكتوبر وصولاً إلي التمزق.. ثم هذه الصورة الدامية التي ارتفعت فيها أمواج التعصب المقيت والتمزق والإرهاب الذي توحش وتمدد.
- لقد تم نسف ما حققته ثورة 23 يوليو - سياسياً بحكم تأثيرها إقليمياً ودولياً - واقتصادياً واجتماعياً وتم الابقاء فقط علي نقطة الضعف فيها وهو غياب الديمقراطية - كان عبد الناصر يريد تداركها بعد 67 لولا أن العمر لم يمهله.
- أبقي الرئيس السادات علي غياب الديمقراطية - ولكن بشكل مراوغ: لعبة المنابر.. ثم إنشاء أحزاب ورقية تحت السيطرة مع استمرارية سيطرة الحزب الواحد ذراعاً للنظام.. وضرب التيارات المدنية السياسية بعضها ببعض كما حدث للتيارات اليسارية والناصرية وضربها بالتيارات الدينية - وإن انتهي ذلك الي اغتيال مأساوي بيد من استخدمهم في ضرب التيارات جميعاً.. بما في ذلك ليبراليون سياسيون ومفكرون.
- توالت تداعيات الواقع الجديد خلال ما بقي من فترة الرئيس السادات وحتي رحيله.
- وجاء (الرئيس مبارك) وكانت فترة طويلة سقيمة سقم المرض الذي لا يبرأ.. لم تكن فقط امتدادا للصورة التي رسمها الرئيس السادات - الداهية المحنك وفق حساباته وحده - بل أيضاً فترة انتعاش عظيم للفساد الذي تضخم وتوالد في غيبة أي صوت حقيقي للإرادة الشعبية أو فاعلياتها وسبلها.. إذ لا أحزاب حقيقية.. إذ هي ورقية ولدت وورقية تعيش برغم أنها أساس أي حياة برلمانية.. بل سقطت كل مقاليد هذه البرلمانات في أيدي عصابة بالسلطة امتلكت فن تزوير الانتخابات ضماناً لاستمرار نظام دب فيه السوس والعفن في النهاية. حتي فوجيء مبارك ورجاله والعالم.. بصحوة الإرادة الشعبية المصرية ثانية في 25 يناير ٢٠١١ كانت في بدايتها ثورة غير مسبوقة.. لكنها واجهت ظرفاً شديد التعقيد. ونكمل لاحقاً.
- هامش: ومجلس النواب يطالب بسحب الثقة من الحكومة.. برافو.. المجلس يشكر السيد رئيس الوزراء.. فزورة!!