المصريون
رضا محمد طه
العبء الموروث والهموم المجانية
أحد الزملاء وخلال فترة إعارته لإحدي الدول العربية سأله زميل من دولة عربية أخري يعمل معه بنفس الكلية عن سبب تحمله للغربة سنين عديدة تاركاً أسرته بمصر وهو يقترب من الستين، فاجابه بأن عليه أن يشتري شقة لإبنه هذا وسيارة للآخر ويريد تجهيز إبنته العروس..الخ من الاعباء التي فرضها المجتمع والعرف عليه وعلي آخرين مثله، إندهش سائله لتلك الإجابة خاصة وأن الزميل المصري لم يذكر أمنية لنفسه يريدها تتحقق ثم أردف قائلاً: لماذا تفعلون ذلك بأنفسكم وتتحملون من المسئوليات مالا يتحمله الآخرون من البلاد الأخري العربية أو الغربية منها، وتستمرون في تلك الطاحونة التي لا تنتهي وتنسون أن تعيشوا مستمتعين بما كسبت يداكم؟ الأمر الذي يجعلكم تشبهون الملك "سيزيف" في الأسطورة اليونانية والذي غضبت عليه الآلهة نظراً لعصيانها، فحكمت عليه بالشقاء السرمدي علي أن يحمل صخرة ليصعد بها الجبل وكلما إقترب من النهاية سقطت منه الصخرة ليبدأ من جديد في حملها وهكذا بشكل مستمر وبلا توقف. البعض منا نحن الآباء يتصرف مع أبناءه بصورة مبالغ، تختلف أشكالها فيها حسب المستوي الإجتماعي للآباء، بحيث يشترون لأبنائهم أشياء أساسية أو كمالية أو ترفيهية هم-أي الأباء-قد يحرمون أنفسهم من التمتع بها، البعض يدلل أبناءهم الكبار بشكل يضر بهم وبمستقبلهم ولا يشركونهم في أية أعباء سواء مادية-حتي مع قدرتهم-أو بالمجهود، ولكم أن تتعجبوا لحكاية يذكرها أحدهم من الاصدقاء والذي ذكر أن إبنه المتزوج في حي بعيداً عنه قد وقع في مأزق وإتصل بوالده كي يسأله ماذا يفعل وكيف يتصرف وقد نفذ الغاز من إنبوبة المطبخ في شقته!!. علي الجانب الآخر يوجد صور لآباء في مجتمعنا من وجهة نظري أعتقد أنهم عقلاء، حيث يشركون أبنائهم منذ صغرهم ويشعرونهم بالمسئولية حتي الأغنياء القادرين منهم، أذكر منهم أحد أكبر التجار الأغنياء في بلدتنا ونحن صغار كنا نراه يرسل أبناءه لمحلات البقالة حاملين عبوات من بعض المواد الغذائية-وكان هذا ليس ضمن نشاطه التجاري-كي يوزعونها علي المحلات بسعر الجملة ويستفيدون من ذلك بهامش ربح بسيط، معوداً إياهم علي الكسب الحلال، ولأنه رحمه الله-كان عصامياً علمته الأيام وتجارب الحياة أن المال مهما كان كبيراً-تلاً-بالتأكيد يختل أو ينتهي مع الأيام تدريجيا إن لم يصاحبه سعي وعمل دؤوب ومستمر من القائمين عليه، وللعلم تقدم هؤلاء الابناء في تجارة والدهم وبعضهم شغل مناصب هامة في بعض المؤسسات الحكومية، أذكر أن الرجل لم يسلم وقتها من الإنتقاد حيث إتهمه البعض بالقسوة أو البخل أو السعي للتكسب والربح وتجميع المال بأي شكل، لكن الأمر العجيب أن البعض إتهمه بإدعاء الفقر. منذ فترة ذكر أحد كبار رجال الأعمال بمصر علي إحدي الفضائيات أنه يعطي ابناءه مصروف يوازي ما يأخذه رملاءهم الآخرون حتي لا يشعروا بأي تميز عن غيرهم وبقيمة المال وبالعناء في تحصيله، وأضاف أنه في حالة أن يطلب أحد أبناءه مصروف زائد كي يشتري شيء ترفيهياً له يطلب منه أن يقوم بعمل مقابل تلك الزيادة، كأن يقوم مثلاً بغسيل سيارة الوالد بالجراج، ولا يعطيه النقود إلا بعد أن يتأكد رجل الأعمال من جودة نظافتها بعد تفحصه لها بشكل دقيق بعد ذلك يعطيه الزيادة التي طلبها إبنه. تلك الأمثلة منها الكثيروالكثير وبصورة شبه عامة في المجتمعات الغربية، في ذات السياق تكلمت الصحف سواء الغربية أو العربية عن أن "بيل جيتس" أغني رجل في العالم ومؤسس ميكروسوفت أنه وزوجته يعطون أبناءهم مصروفهم بحرص ولا يميزونهم في الملبس أو الماكل عن زملاءهم، كما أنه ليس ببعيد ما ذكرته إحدي الصحف عن عمل إحدي بنات الرئيس الأمريكي أوباما في أحد المطاعم خلال عطلتها الدراسية، ولا حرج منها أو من والديها في ذلك، أيضاً. وأخيراً نتذكر قول النبي عليه الصلاة والسلام, الذي وردَ في بعض الأحاديث: ((اخْشَوْشِنوا وتمعددوا فإنّ النِّعَم لا تدوم)).

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف