المصريون
جمال سلطان
عن توابع "الخميس الأسود" !
أطلق البعض عليه اسم : الخميس الأسود ! ، بالنظر إلى القرارات الخطيرة التي صدرت فيه ، وهي تخفيض سعر الجنيه المصري رسميا وتركه لحركة السوق العشوائية ، ثم قرار رفع أسعار الوقود بنسب حوالي 30% ، والمؤكد أن في الطريق قرارات أخرى ، وقد ألمح رئيس الوزراء أمس إلى أن أسعار مترو الأنفاق ليست عادلة واستمرارها يعني عدم القدرة على استمرار هذا المرفق الحيوي ، كما أن تخفيض سعر العملة الوطنية أو رفع أسعار الوقود ، أي إجراء واحد فقط منهما كاف لتحريك الأسعار ، فكيف إذا اجتمعا في يوم واحد . صدور هذه القرارات قبل أسبوع واحد تقريبا من الدعوة الغريبة والمجهولة لتظاهرات 11 نوفمبر سيجعل الكثيرين يعيدون النظر في مصدر تلك الدعوة ، وهل هي لعبة سياسية على نفس وتيرة اللعبة الاقتصادية التي شهدناها قبل يومين من صدور قرارات تعويم الجنيه ، لأن تلك القرارات تبدو وكأنها تحشد الغضب قبل أسبوع واحد من دعوة للغضب ، ولا يعقل أن تكون الحكومة تحشد ضد نفسها ، ولذلك من الصعب أن يتصور أحد أن الحكومة تأخذ هذه الدعوة على محمل الجد ، وأنها تثق تماما في أن هذا اليوم محض وهم وسيمر بشكل عادي جدا ، وبقية التفاصيل لا داعي لشرحها . المشكلة في القرارات هي عشوائيتها ، وخاصة قرار تخفيض سعر الجنيه ، ثم تحرير حركة السوق فيما يخص قيمته اليومية أمام العملات الأخرى ، فالذي يحدث حتى الآن لا يعطي انطباعا جادا بأن قرار التعويم صحيح أو مثمر أو أنه سيقضي على السوق الموازية أو السوداء ، لأن البنوك الآن تشتري لكن لا تبيع ، وبالتالي فالذي يبحث عن دولار ويحتاج إليه من الطبيعي أن يبحث عن "سوق" آخر غير السوق الرسمي ، لتوفير احتياجاته التي لا توفرها البنوك ، وهذا بداهة يعني بقاء السوق الموازية ، والتي سيكون "الملعب" أمامها مفتوحا لرفع السعر ، سواء للشراء أو البيع ، وهذا ما سيؤدي لارتفاع سعر الدولار في السوق ، وبالتالي يضغط على البنوك لتضطر لرفع السعر حسب قانون العرض والطلب ، وهكذا دواليك ، وإذا كان الدولار قد تحرك في يوم تحريره ووصل في البنوك إلى 16 جنيها فهناك تقارير تتحدث اليوم أنه وصل في بعض الأماكن إلى 18 جنيه ، وهو نفس السعر الذي وصل إليه في الأسبوع الماضي ، واستمرار الأمر على تلك الوتيرة سيعني جنونا جديدا ، لأن محصلة قرار التعويم الذي صدر لإنهاء وجود سوقين للدولار ، أنه انتهى فعلا إلى سوق واحد ، ولكنه السوق السوداء وحدها التي أصبحت تفرض قانونها هي على البنوك الوطنية نفسها وتحدد لها أسعار الدولار الجديدة ، وهذا أشبه بكون السوق السوداء قد احتلت موقع البنك المركزي نفسه وتمارس دوره الآن . البلاد مقبلة على موجة غلاء جديدة وخطيرة ، وكان الله في عون فقراء هذا البلد ، وحتى الطبقة الوسطى التي تتآكل الآن وستتحول إلى كادحة بفعل خفض قيمة الجنيه وزيادة أسعار الوقود ومعها أسعار مختلف السلع ، وما يقلق أكثر هو غياب أي رؤية للإصلاح الاقتصادي الشامل ناهيك عن أن يكون الاصلاح الاقتصادي جزء من إصلاح سياسي شامل ، لا تشعر أن هناك إدارة رشيدة وخبيرة للبلد ، تدار أخطر أمورها بما يشبه أعمال "الهواة" ، ولن يكون مفيدا أن تتم إقالة حكومة شريف إسماعيل ، كما لم يكن مفيدا ولا ضروريا إقالة حكومة محلب قبله ، المشكلة ليست في السكرتاريا ، المشكلة في صاحب القرار ، وفي صناعة الرؤية ، وكل يوم يمر بدون إصلاح الأمر فيهما كلما تراكمت المشاكل وتعقدت متاعب البلد واستعصت على الحل .

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف