الجمهورية
يحيي علي
حتي لا نبكي علي اللبن المسكوب!!
يبدو أننا لا نستوعب الدرس.. ولا نستفيد من الماضي.. ولا نفكر أبداً في المستقبل.. ونلدغ من ذات الجحر.. ليس مرتين.. وإنما مرات ومرات.. ونري بأم أعييننا الطوفان قادماً.. فلا نتحرك ولا نحتاط حتي يأخذنا في وجهه.. عندئذ فقط ندرك الخطر ونتحرك بعد فوات الأوان.. ونبكي علي اللبن المسكوب الذي لا يمكن أن يعود.
***
كل عام تسقط الأمطار التي هي نعمة كبيرة من عند الله.. وهناك من يصلي من أجل المطر.. إذا تأخر عن موعده.. وفي كل بقاع الأرض الأمطار خير.. وبركة.. إلا عندنا فهي نكبة وكارثة وخسائر وضحايا وتعطيل مصالح.. في كل بلاد الدنيا تستغل العقول هذه الأمطار فيما يفيد إلا عندنا فدائماً تهزم السيول العقول.. بسبب الروتين والإهمال وعدم المبالاة.. وكل عام يخرج المسئولون بتصريحات وأقاويل وحلول جذرية وعمل مخرات للسيول وتأمين المساكن بعيداً عن طريق الأمطار والسيول.. وصرف التعويضات اللازمة ولو أحصينا المبالغ الكبيرة التي تدفعها الدولة لإزالة آثار السيول وتعويضات المضارين لاكتشفنا أن هذه المبالغ تكفي لبناء مدن كاملة وليس بضع شقق لتسكين المضارين من السيول بعيداً عن مخاطر المخرات التي تجرف كل عام عشرات المنازل والضحايا.
***
وعقب كوارث السيول الأخيرة التي ضربت طريق قنا ــ سوهاج ــ وقري ساقلتة والحاجر ورأس غارب قررت الحكومة تخصيص 100 مليون جنيه للتعويضات وإزالة آثار السيول.. في وقت شديد الحساسية بالنسبة للانفاق الحكومي ومطالبة الحكومة بترشيد الانفاق.. والأزمات العديدة التي تواجه الدولة من فساد الأقماح ومافيا الصوامع والملايين المنهوبة.. وأزمة السكر وجشع التجار.. في غياب قوانين الردع ومحاربة الاحتكار.. والارتفاع غير المبرر لكل السلع بدءاً من علبة الكبريت.. للسكر والزيت وحتي كروت الشحن.. مما يرهق ميزانية أي مواطن بسيط يكمل عشاءه نوماً.. ولا يستطيع لمتطلبات العصر الاستغناء عن الإنترنت ولا المحمول ويوفر من قوته ليشتري كارت شحن أو يدفع اشتراك الإنترنت.. فلم تعد السلع ترفيهية وإنما احتياجات عصر صارت فيه أساسية.
***
أقول أليس من الأجدر والأولي أن تسد هذه المائة مليون التي تفقدها الدولة من ميزانيتها لتعويضات السيول أن توفرها لدعم السكر وتوفيره للبسطاء.. أليس الأجدر أن تخصصها لعلاج البسطاء.. لو كانت قد قامت بمهمتها وعمل مخرات للسيول أو نقل المنازل التي تقع في طريق المخرات لأماكن آمنة ووفرت الملايين التي تدفعها كل عام تعويضات وإزالة آثار الأمطار والسيول.
***
الغريب والعجيب.. أن ما نقوله هذا العام عن السيول والحلول الجذرية.. نكرره طبق الأصل العام القادم.. والعام الذي يليه وكأننا نتعرض للسيول فجأة ولأول مرة.. ولو سخرنا المبالغ التي تصرف تعويضات لضحايا السيول وضحايا الحوادث في عمل مخرات ومساكن لمناطق السيول.. ما بكينا كل عام علي اللبن المسكوب الذي لا يمكن أن يعود.
***
أما المدهش حقاً.. وقد لا يصدقه عقل أن مدينة شرم الشيخ العالمية.. مدينة السلام والمؤتمرات.. والمهرجانات والسياحة ليس بها بالوعات لصرف الأمطار.. وربع ساعة واحدة من الأمطار يحول شوارع المدينة إلي برك ومستنقعات يصعب السير فيها.. شرم الشيخ العالمية.. وليس الزاوية الحمراء أو عزبة النخل.. ليس بها بالوعات لصرف الأمطار.. حتي لو كنا بلداً حاراً.. وليس بلد أمطار.. ألف باء مدينة جديدة المرافق كاملة قبل الإنشاء.. تليفونات. بالوعات صرف وأمطار.. غاز.. كابلات كهرباء.. كل المرافق الحيوية تتم قبل الإنشاء.. حتي لا نحفر في الشوارع بعد رصفها بساعة.. وإذا رصفنا بعد التليفونات.. نحفر للغاز ثم نحفر للصرف.. ثم نحفر للكهرباء.
***
نحن الذين نخلق الأزمات أمام أنفسنا.. ونحن الذين نصعب الأمور علي أنفسنا.. ليتنا نستوعب دروس الماضي ونعمل بحق للمسقبل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف