في فيلم العتبة الخضراء لإسماعيل يس وصباح وأحمد مظهر.. هذا المشهد المثير الذي أطار النوم من عيوني.. وجعلني أضرب كفا علي كف.. وأقول في سري: هو جري ايه يا ولاد؟
أوقفت العرض السينمائى عند هذا المشهد الذي يثير شجون الخلق ويفجر أوجاع أهل مصر أجمعين ويصعد بالتنهدات إلي كل الشفاه.. حسرة علي أيام عشناها بحلوها ومرها.. ولم يبق لنا فيها الآن إلا مرارة علي الشفاه.. و«زغللة» في العيون.. وألف علامة استفهام تحلق غربانها السود فوق كل الروءس..
ماذا يقول هذا المشهد المجنون الذي أثار شجوني وسوف يثير شجون أهل مصر كلهم عندما يسترجعونه معي بعيونهم وذاكرتهم؟
>> الممثلة صباح هنا ـ أقصد في الفيلم ـ نصابة ومحتالة تعمل تحت إمرة النصاب الأعظم أحمد مظهر ـ في الفيلم طبعا ـ ها هي تنزل من سيارة آخر موديل أيامها دودج 1959 ومعها موظف في محل جواهرجي جاء معها لكي يأخذ باقي ثمن بروش من الالماس غالي جدا بأسعار ذلك الزمن الجميل ثلاثة آلاف جنيه دفع منها أحمد مظهر النصاب الأكبر ـ في الفيلم طبعا ـ ألف جنيه لصاحب محل الجواهرجي والباقي وهو 2000 جنيه سوف يتسلمه صاحبنا الذي ذهب في عربة الست صباح في جروبي زمان أيام عزه ومجده قبل ما يجيبوا ضرفه.. يعني يقفلوه خالص.. سألت صباح البائع: أنا عاوزة 2000 ـ الفين ـ حتة جاتوه بكام؟
قال لها: 2000x20= أربعين جنيها يا هانم..
>>يعني الـ 2000 حتة جاتوه بأربعين جنيها.. والجملة الأخيرة لي أنا؟
دفعتها صباح وقالت للبائع: أمتي أستلم الـ 2000 بتوعي؟
قال لها: علي طول يا هانم..
قالت: طيب ابقوا ادوا الالفين للأستاذ!
ثم ركبت عربتها وذهبت إلي حال سبيلها.. والأستاذ فاهم انه سوف يأخذ باقي ثمن البروش الالماس، هو 2000 جنيه عدا ونقدا.. فإذا بها 2000 حتة جاتوه!
الحكاية كلها من أولها لآخرها تقول لنا ـ «بالفم المليان» إن 2000 حتة جاتوه في الستينيات في عز الزمن الجميل.. زمان اخراج هذا الفيلم الممتع الذي أبدعت فيه صباح وأحمد مظهر وتألق إسماعيل يس.. كان ثمنها أربعين جنيها فقط لا غير!
يعني «حتة الجاتوه» أيامها كانت بكام.. احسبوها أنتم بقي!
ـ أمال النهاردة حتة الجاتوه بكام؟
أنتم تسألون؟
الجواب: موش أقل من 400 قرش يعني أربعة جنيهات فما فوق.. حتي 12 جنيها وأكثر حسب المكان والسكان والحي والشارع والحارة في العشوائيات.. وفي المنتجعات!
واحسبوا أنتم بقي بالورقة والقلم فرق الأسعار زمان ودلوقتي.. وحالة الجنون التي أصابت الأسعار بعد أن تدهورت صحة الجنيه المصري المغلوب علي أمره في مواجهة الدولار المفتري الذي شقلب حياة وكيان الناس والبلد كلها.. حتي وصل كيلو اللحم عند الجزار إلي حدود المائة جنيه.. وكيلو اللحم في الجمعية بتاعة الغلابة بـ 60 جنيها.. وكيلو السكر بـ سبعة جنيهات في جمعية الناس الفقراء وخارجها موش عارف بكام؟.. واطلعي من هدومك يا أم حسن!
وأم حسن هذه للذين يعلمون والذين لا يعلمون كانت ست »بلانة« بتبيع هدوم بالقسط.. وداية ومولدة إذا لزم الأمر!
واتفرجوا علي فرق الأسعار في بلدنا كيف أصبح وكيف أمسي وكيف سيطلع عليه نهار الغد في ظل دولار مفتري مثل فتوات زمان!
...................
.....................
سألت صديقي د. عبدالله السعدخبير شئون خلق الله في الاقتصاد والهم القومي خبير الموارد البشرية وأستاذ الاقتصاد في الجامعات العربية: ايه الحكاية؟
قال: ـ أود أن أقول لك في البداية إن غالبية من يقودون التغيير في خطأ كبير، وهو حصر تركيزهم واهتماماتهم علي المشروعات القومية الكبيرة ـ وأرجو ألا يفهم أحد أننا هنا نعارض الاهتمام بهذه المشروعات القومية، حيث أن هذا الاتجاه يعتبر أمرا محمودا نؤيده ونثني عليه. ولكن تكمن الخطورة في الاقتصار علي الاهتمام بهذه المشروعات فقط، دون أن يواكبها التعامل مع بعض القضايا الآتية والتي يعاني منها المواطن بصفة شبه يومية
أسأله: عاوز تقول ايه بالضبط؟
قال: المشكلات التي أتحدث عنها والتي لا يحتاج حلها إلي تمويل أو وقت، هي ما تطلعنا به الصحف في مسلسل شبه يومي عن حوادث تكاد تتكرر بنفس الصورة ولنفس الأسباب والتي تنتهي بإزهاق أرواح عديدة واصابات لأعداد مضاعفة، وأصبحنا نشعر أن المسئولين يمرون عليها مرور الكرام دون اتخاذ أي من الخطوات التي يمكن علي الأقل أن تخفض من حدتها، ودلالة ذلك أن السنوات تمر، والحوادث تتكرر بمعدلات أعلي.
أسأله: زى إيه كده؟
قال: اليك أمثلة لبعض الأحداث والحوادث التي نتحدث عنها، والتي نشرتها الصحف:
1 ـ إن حوادث السيول الأخيرة في صعيد مصر والبحر الأحمر تحدثنا عنها قبل عام وأكثر.. وانتهينا إلي توصيات ومشروعات وتم اعتماد ميزانيات بالملايين. وها هي السيول تعود من جديد فلا تجد من يقف في طريقها.. لا مسئول ولا خطة ولا رجال ساهرون.. لتحدث المأساة الكبري التي حولت مدينة رأس غارب كلها إلى مدينة أشباح!
2 ـ قبل وقت قصير أكد المهندس عاطف عبد الحميد محافظ القاهرة أن غرفة العمليات المركزية بالمحافظة تلقت بلاغا بسقوط صخرة بمنطقة الدويقة بمنشأة ناصر
3 ـ في نفس اليوم تصادم قطار بسيارة ملاكي أثناء عبورها مزلقان بمركز «قفط» بقنا وأسفر عن مقتل 3 أشخاص واصابة اثنين
4 ـ في 21/9/2016 غرق مركب هجرة غير شرعية برشيد مما أسفر عن غرق 211 شخصا!
5 ـ في نفس التاريخ أولياء أمور طلاب احدي المدارس الخاصة بمدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية يشكون من تهالك البنية التحتية للمدرسة علي الرغم من أن مصاريف المدرسة تصل إلي 5 آلاف جنيه سنويا!
6 ـ في نفس التاريخ انهيار سور نادي الترسانة بطول 10 أمتار وارتفاع 2،5 متر علي محمد عبدالفتاح حارس مرمي سبورتنج لكرة اليد للناشئين
7 ـ في 22/9/2016 اصابة شخصين وتصدع 3 عقارات في انهيار عقار بالاسكندرية
8 ـ في نفس التاريخ اصابة 25 شخص في انقلاب أتوبيس بالمنيا
9 ـ في نفس التاريخ مصرع 3 واصابة 5 أشخاص جراء تصادم قطار بسيارة في أسيوط
10 ـ في 23/9/2016 تصريح للواء عباس زكي مساعد وزير الداخلية للمرور أن 50 ألف سائق تجاوزوا السرعة المقررة علي محور 26 يوليو خلال يومين
11 ـ في نفس التاريخ تفحم 4 أطفال حتى الموت واصابة والدهم في انفجار أسطوانة بوتوجاز داخل شقة بسوهاج
12 ـ في نفس التاريخ لقيت 3 طبيبات امتياز بجامعة المنوفية مصرعهن بسبب زفة فرح + سائق ميكروباص مبرشم!
........................
.......................
ماذا ننتظر؟
سؤال اعتراضي مني أنا؟
إن المتتبع لهذه الحوادث يجد أنها تتكرر كثيرا ولنفس الأسباب، فهذا طفل يسقط في بالوعة، وآخر يصعق بالكهرباء من الأسلاك العارية لبعض أعمدة الانارة، وسيارة تتحطم الأمر الطبيعي أن تتزايد معدلات هذه الحوادث والتي يهدر بسببها أرواح العشرات بل المئات في مسلسل شبه يومي، سوف تتزايد إذا استمر نفس أسلوب التعامل معها، حيث يتضح أن الأساليب التي يتم استخدامها للتعامل مع هذه الحوادث قد ثبت عدم فعاليتها
ألا يتطلب الأمر هنا أن نبحث عن أساليب أخري تساعد علي الحفاظ علي حياة هؤلاء المواطنين.
............
............
أسأله: وإيه الحل؟
قال: تكليف+ متابعة+ رقابة+ مساءلة + حساب + عقاب!؟
هذه هي معادلة الحل المقترح والذي لا يتطلب تمويلا أو وقتا لتنفيذه:
1 ـ يجب أن يتوافر لدي أي من المسئولين القناعة بأهمية وقدسية دم المصري، الواقع الحالي يشكك بل يؤكد عدم توافر هذه القناعة لدي الكثير من المسئولين، فلا ينتج عن ذلك إلا الاهمال ومحاولة ابعاد مسئوليتهم عن هذه الحوادث وتبريرها بالقضاء والقدر، نحن نؤمن بالقضاء والقدر ولكننا نتحدث عن الأسباب التي تتسبب في وقوع هذه الحوادث. وكما هو معروف يوجد فوق كل مسئول مسائل، ويجب علي هذا المسائل متابعة وتقييم مرؤوسيه للتحقق من مدي قناعاتهم بأهمية وقدسية روح المواطن المصري.
أما العنصر الثاني في المعادلة وهو التكليف، فنقصد به أن يلتقي أحد المسئولين وليكن المحافظ بالمسئولين الذين يتبعونه رؤساء الأحياء، ،واعطائهم تكليف واضح ومحدد بأن رئيس كل حي يكون مسئولا خلال مدة محددة ولتكن شهرا بمتابعة كل الثغرات التي توجد في الحي الذي يشرف عليه، سواء كانت تتعلق بأسلاك عواميد الانارة أو مطبات قاتلة أو عدم استكمال الأسفلت لبعض الشوارع التي يتم الحفر فيها أو متابعة مدي سلامة الأبنية الموجودة في محيط الحي أو الاشغالات غير المشروعة أو البلاعات المكشوفة وغير ذلك من الأمور التي تتسبب في وقوع مثل هذه الحوادث، وأن يكون هو المسئول عن أي حادثة تقع في محيط الحي بعد مرور هذه المدة.
3ـ ويأتي بعد ذلك عنصر المتابعة والرقابة من خلال تلقي هذا المسئول الأعلي تقارير كتابية للمتابعة بالاضافة إلي بعض الأساليب التي يمتلكها للرقابة علي جدية تنفيذ تكليفاته.
4 ـ أما العنصر الرابع والأخير لهذه المعادلة فيتعلق بالمساءلة والحساب، وهو أمر في غاية الأهمية، فليس هناك ما يدفع أي مسئول للاهتمام بأداء المهام المنوطة به بالشكل المطلوب إذا أمن المساءلة والحساب. والواقع يؤكد أننا نهمل هذا البعد، وغالبا ما نحاسب صغار الموظفين الذين قد لا يكون لهم حول ولا قوة، ويكونون بمثابة كبش الفداء!
انه مجرد مثال فقط لمحاولة ايضاح أنه حل لا يتطلب تمويلا أو وقتا، ولكن يجب أن يواكبه اجراءات أخري كالتشديد علي رجال المرور لأداء دورهم في القضاء علي فوضي سائقي الميكروباصات الحادثة في جميع مناطق مصر من خلال عقوبات رادعة دون اعتبار لمن هم أصحاب هذه الميكروباصات.
...............
............
ولماذا نذهب بعيدا.. تعالوا نقرأ خريطة الاحباط.. ماذا تقول؟
وكما قال الاهرام في صفحته الأولي يوم الثلاثاء الماضي تحت عنوان : الاصلاح الآن..
>> إن نظرة فاحصة للمعطيات الماثلة أمامنا تؤكد ضرورة أن يكون الاصلاح الاقتصادي والمالي الآن وليس غدا والأمر لا يحتمل أي تباطؤ، أو تردد، ولا مجال للأعذار والحجج، فالقضية تتصل بحاضر ومستقبل الوطن المأزوم، إن لغة الأرقام لا تكذب، وتطرح الحقيقة مجردة، فحجم الدين الداخلي قفز إلي 2 تريليون و572 مليار جنيه. وفوائده تشكل 32% من مصروفات الموازنة، وايرادات الدولة 670 مليار جنيه، في حين أن المصروفات 974 مليارا والفارق يمول من الاقتراض.
أما الأجور فانها تلتهم 228 مليار جنيه، ومخصص 206 مليارات للدعم و56 مليارا للبرامج الاجتماعية و292 لسداد فوائد الديون.
...............
................
ثم جاء قرار تعويم الجنيه المصرى + زيادة اسعار البنزين.. ولكن ذلك حكايه أخرى..
وربنا يستر!{