الصباح
مصطفى راشد
لقمة فى بطن جائع خير من بناء ألف كنيسة أو جامع
لفت نظرى فى وطنى الفقير مصر، هذا الكم الهائل من دور العبادة فى بلادنا التى تصل لحوالى 290 ألف دار عبادة، ما بين مسجد وكنيسة ودير وغيرها من الأماكن المخصصة للعبادة، وهى نسبة عالية جدًا، مقارنة بغيرنا من البلاد المتقدمة علميًا وسلوكيًا، وبإحصائية حسابية لهذه المبانى، وجدنا أن أرض ومبانى هذا الكم من دور العبادة، يقدر بحوالى 850 مليار جنيه، وأن مصاريف تشغيل هذه الدور من مرتبات ومياه ونور وفرش وغيرها تقدر بحوالى 120 مليار جنيه سنويًا أى أننا نبنى الكنائس والمساجد بالمليارات لندعو الله لمساعدة الفقراء!!!، ولأنى أستاذ للشريعة ودارس لمقارنة الأديان (الديانات) أعرف أن الله سواء فى الإسلام أو المسيحية، لم يشترط للعبادة مبنى أو شكل معين، بل قد أعلى من شأن العبادة الخالية لكن ذلك من صنع رجال الدين مسلم أو مسيحى أو يهودى، ليؤكد سلطته ومكان جبايته ورياسته ووساطته بين الناس وبين الله، ولتوضيح ذلك بالأدلة من القرآن والإنجيل، فهذا هو رسول الإسلام (صلى الله عليه وسلم) يقول على لسان أبى هريرة (رضى الله عنه) فى حديث (سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله) الذى رواه الشيخان البخارى ومسلم، حيث يذكر بالحديث النوع السابع الذى سوف يظله الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله بقوله (ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه ) - كما أن جميع الأرض جُعَلت للمسلمين مسجدًا وطهورًا، كما ورد فى البخارى حديث جابر بن عبد الله - عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال (أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلى: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجُعِلَت لى الأرض مسجدًا وطهورًا فإيما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لى الغنائم ولم تحل لأحد من قبلى، وأعطيت الشفاعة، وكان النبى يبعث إلى قومه خاصة، وإلى الناس عامة.) متفق عليه.
وأيضًا قوله تعالى فى سورة الإسراء آية 110 (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا).
كما أن الكتاب المقدس فى العهد الجديد (الإنجيل) يقول فى إنجيل متى آية 6:5 (وَمَتَى صَلَّيْتَ فَلاَ تَكُنْ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ يُصَلُّوا قَائِمِينَ فِى الْمَجَامِعِ وَفِى زَوَايَا الشَّوَارِعِ، لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ )!
وايضاقوله فى إنجيل متى آية 6:6 (وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِى فِى الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِى يَرَى فِى الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً).
وأيضًا فى إنجيل لوقا آية 22: 41 قال (وَانْفَصَلَ عَنْهُمْ نَحْوَ رَمْيَةِ حَجَرٍ وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى).
ورغم هذه الآيات الواضحة الجلية فى الإنجيل والقرآن، التى تدلل على تعظيم الصلاة الخالية، لبعدها عن المظهرية والرياء، إلا أن الرياسات الأرضية البشرية من رجال الدين فى الجانبين، قد وجدوا فى هذه المبانى تكبيرًا لذواتهم، وتثبيت لرياساتهم، والتحكم فى شعبهم واتباعهم، فجعلوا التركيز فى إنشاء دور العبادة، دون المدارس، والمصانع، والمستشفيات، ودور الأيتام، رغم أن هذه المبانى تقدم أعلى صور للعبادة، وهى العبادة العملية وما تحمله من مقاصد السماء من التكافل والعدالة الاجتماعية، والتراحم بين العباد وحماية كرامتهم، لأن المؤمن القوى خيرًا من المؤمن الضعيف، فالمؤمن المتعلم الذى يكسب من عمل يديه وصحته جيدة، أفضل من المؤمن الجاهل الذى يتسول حاجته ويعانى من الأمراض، لذا أتخيل لو أن هذه المليارات قد صُرِفَت على مدارس ومصانع ومستشفيات ودور للأيتام، ومساكن للفقراء، وبيوت لأطفال الشوارع، فما كنا على هذا الحال الذى نحن عليه،
لذا نحن نطالب الحكومة بالاكتفاء بدور العبادة الموجودة حاليًا، وإصدار قرار فورى شجاع، مدرك لمقاصد السماء، تصديقًا لقوله تعالى (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) التوبة آية 105، وقوله تعالى فى إنجبل متى آية 5: 19 (وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ، فَهذَا يُدْعَى عَظِيمًا فِى مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ) بأن تصدر الحكومة قرار، بتحويل أى طلبات لإنشاء دور عبادة إلى مدارس أو مصانع أو مستشفيات أو دور للأيتام، حِسبةً لله تعالى، وإعلاءً لمقاصد السماء التى تهدف إلى العدالة والتكافل الاجتماعى، لأن الله غيرُ محتاج والعبد محتاج، فهل من سبيل لإعلاء وتطبيق مقاصد السماء الصحيحة، والبعد عن الشكل والاهتمام بالجوهر، لأن الاهتمام بالشكل والبعد عن الجوهر، أعطانا مجتمعًا مليئًا بالسلوكيات الرديئة والأفكار الهدامة التى تنتِج متعصبًا ومتطرفًا وإرهابيًا، بعد أن حرمناهم من التعليم الصحيح، والحق فى العمل والعلاج، وتقديم الكفاءة على الأهل والمعارف، كى نرى مصر تتقدم فى المسيرة، بعد أن غابت عنا المفاهيم الصحيحة لمقاصد الشريعة، لذا نحن نطالب الرئيس ومجلس النواب، بسن قانون أو قرار، بوقف بناء المساجد والكنائس بمصر الفقيرة، لمدة 10سنوات، كى نطعم أولا الجائع، لأن لقمة فى بطن جائع هى عند الله خير من بناء ألف كنيسة وجامع.
وعلى الله قصد السبيل وابتغاء رضاه
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف