الصباح
محمد فوزى السيد
عملية ذبح مهرجان الموسيقى العربية ب «الروتين القاتل
لا ينكر عاقل أو واع أو حتى متابع من بعيد تراجع دور مصر ومهرجاناتها الغنائية بسرعة شديدة خلال السنوات القليلة الماضية، وهو أمر غير قابل للنقاش ولا المزايدة فى أمور تحسمها الأرقام والوقائع وسط سوق مهرجانات الموسيقى والغناء العربية؛ حيث راحت أسهم كل المهرجانات المصرية تهبط سريعًا فى بورصة المنافسة العربية فى الوقت الذى برزت خلاله العديد من المهرجانات العربية الأخرى رافعة شعار القتال من أجل الصدارة، فبرزت أسماء كبيرة مثل «قرطاج تونس» و«جرش الأردن» و«موازين المغرب» و«هلا فبراير الكويت» و«بعلبك لبنان» وحرصت إدارة كل مهرجان على منافسة الآخر بالاتفاق مع أهم نجوم الغناء ليس عربيًا فقط وإنما عالميًا وذلك فى منافسة شريفة بينهم فى ظل تراجع الدور المصرى بإلغاء العديد من المهرجانات التى ظلت لسنوات طويلة قبلة كل النجوم العرب، ولعل أبرزها «ليالى التليفزيون» الذى وقف شاهدًا على نجومية العديد من المطربين عربيًا أمثال كاظم الساهر الذى قبل خشبة مسرح المهرجان فى أول وقوف له عليها، تعبيرًا عن تقديره لدور المهرجان فى تعريف الجمهور العربى به وحمله إلى النجومية العربية بعد فترة طويلة من النجومية المحلية فى بلده العراق، وتوالت فكرة اكتشاف النجوم العرب على مسرح ليالى التليفزيون لنجوم أمثال نوال الزغبى ووائل كافورى وغيرهم العديد من نجوم الغناء الشباب وقتها، وبعد سنوات طويلة من إقامة المهرجان فى قاعة المؤتمرات ذهب القائمون عليه لفكرة جديدة بإقامته فى المسرح الرومانى بمارينا ليحصد المهرجان مكانة متقدمة وقتها على ساحة المنافسة العربية، وبعد توقف ليالى التليفزيون أقامت شركة روتانا مهرجانًا غنائيًا كبيرًا على المسرح نفسه ظل لعدة سنوات هو الأكبر فى العالم العربى بأسماء النجوم المشاركة فيه.
أثناء كل ذلك كان هناك مهرجان موسيقى من نوع مختلف عن كل المنافسين هو مهرجان الموسيقى العربية المقام فى دار الأوبرا المصرية، مهرجان يعتمد على انتقاء الأصوات المشاركة فيه نظرًا لدوره وغايته فى حفظ التراث الموسيقى المصرى والعربى، فلا تجد بين المشاركين فيه نجوم الشباب من أنصاف الموهوبين ولا نجوم السوشيال ميديا أصحاب الموهبة الزائفة والشهرة المؤقتة، ظل مهرجان الموسيقى العربية درعًا للحفاظ على الهوية المصرية وحالة فريدة بين مهرجانات الموسيقى التى تسعى معظمهما للحضور الجماهيرى الضخم والاتفاق مع كل من ارتفعت أسهمه من نجوم الغناء طالما أنه قادر على حشد الجماهير إلى ساحة المهرجان.. ولسنوات طويلة تلقى المهرجان الدعم من كل المهتمين بصناعة الموسيقى العربية والحفاظ على الهوية، غنى فى المهرجان كل نجوم الطرب فى العالم العربى تقريبًا وهو ما أتاح فرصة كبيرة للمهرجان للمنافسة العربية بقوة، إلا أن الرياح تأتى دائما بما لا تشتهى السفن ليتحول المهرجان عامًا بعد الآخر إلى مهرجان محلى لا يملك القدرة على المنافسة الدولية ليقبع فى ذيل قائمة اهتمامات النجوم لدرجة تملص الكثير من المطربين المصريين من المشاركة فيه على الرغم من موافقتهم الفورية والحاضرة لأى دعوة من مهرجان عربى آخر سالفة الذكر.
وبمناسبة إقامة الدورة الجديدة للمهرجان هذا العام والتى أعلنت عنها دار الأوبرا المصرية بمشاركة عدد من نجوم الغناء منهم أصالة وأنغام ومدحت صالح وعاصى الحلانى، توقفت قليلًا أمام الأسلوب الروتينى الذى يدار به مهرجان الموسيقى العربية الأعرق بين أقرانه، للأسف يشرف على تنظيم المهرجان حفنة من الموظفين وليس المبدعين والذين يتعاملون مع الأمر كونه مجرد مهمة موكلة إليهم من وزارة الثقافة ويجب الانتهاء منها سريعًا تجنبًا للوم أو الجزاء الإدارى، أسلوب روتينى عقيم فى إدارة المهرجان بداية من التغطية الإعلامية الخاصة به والتى تتمثل فى إسناد مهمة التعامل مع الإعلام لقسم الإعلام المعين سلفًا فى دار الأوبرا المصرية والذى بدوره يقصر التغطية الإعلامية على عدد من الصحفيين المقيدين لديهم فى جداول المتعاملين مع دار الأوبرا دون النظر إلى طبيعة الصحفى أو اهتماماته فى تغطية أخبار الأوبرا وعدم درايته بطبيعة المهرجان الموسيقى، المهم أن يكون مقيدًا فى جداول الأوبرا حتى وإن كان يغطى عروضها المسرحية فى «الهناجر» وليس على أى دراية موسيقية من أجل نقل صورة واعية عن المهرجان، كل ما يهتم به السادة الموظفون هو أن يقوم هذا الصحفى بنشر الصور والأخبار المرسلة له من إدارة الإعلام فى الأوبرا إلى المطبوعة أو الوسيلة الإعلامية التى يعمل بها، أى أن يتحول الصحفى نفسه إلى موظف آخر ينشر ما يتلى عليه، وبذلك تكون الإدارة قد قامت بمهمتها أمام المسئولين حتى لا يتعرضون للعقاب على التقصير، والسؤال هنا: أين مندوبى وسائل الإعلام العربية والدولية من المهرجان ؟.. فمن القواعد المتعارف عليها أن يقدم أى مهرجان كبير الدعوة لعدد من الصحفيين العرب ووسائل الإعلام العربية من أجل تغطية فعاليات المهرجان ونقل صورة إيجابية عنه وعن التنظيم والحفلات إلى كل أنحاء العالم العربى، لماذا لم يخرج مسئول واحد من إدارة المهرجان ليطالب بضرورة عبور فكرة المحلية التى يقبع بها المهرجان وترضى المسئولين عنه باستضافة عدد من الصحفيين والإعلاميين العرب لتغطية فعاليات المهرجان كما تفعل مهرجانات الغناء العربية الأخرى، ولماذا لا يتم إسناد مهمة التعامل إعلاميًا مع أحد المتخصصين فى الأمر إما أشخاص أو شركات قادرة على إدارة الحالة الإعلامية للمهرجان بدلًا من الاعتماد على موظفين إدارة الإعلام فى دار الأوبرا، والذين يصرون على «خسف الأرض» بالمهرجان بسبب الروتين العقيم الذى يسيطر عليهم، والذى يؤدى كل عام إلى النتيجة نفسها بنشر بعض الأخبار المتناثرة يمينًا ويسارًا عن حفلات المهرجان ببيان إعلامى يومى يخرج من قسم الإعلام، متى يتحرر مهرجان الموسيقى العربية من البيروقراطية التى يتعامل بها ليخرج إلى آفاق أوسع من الشهرة والتأثير عربيًا والعودة إلى مكانة يستحقها فى سوق المنافسة العربية بأفكار خارجة عن المألوف تحقق له قفزات حقيقية يحتل بها مكانة متقدمة فى بورصة مهرجانات الموسيقى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف