المساء
مرفت مسعد
صاحب "الشيكولاتة"
أتذكر أنه من أولي "الريبورتاجات" التي أجريتها في بادئ عملي بالصحافة في الثمانينيات "ريبورتاج" عن الكلمة الطيبة وتناولت فيه رأي فضيلة الشيخ الرحل "عطية صقر" الذي أشار إلي أهمية الكلمة الطيبة في جميع تعاملاتنا باعتبارها من الصدقات التي نؤجر عليها ونثاب مصداقاً لقول "المصطفي" صلوات الله عليه وسلامه : "الكلمة الطيبة.. صدقة".
وكم أحوجنا هذه الأيام لتفعيل هذا النوع من الصدقات بيننا فنعمل علي التأليف بين القلوب ونبذ التشاحن بإصلاح ذات البين واستدعاء المحاسن والتغاضي عن المساوئ وغيرها مما يجمع ولا يفرق. ما أحوجنا للتفتيش عن نماذج تفوقت علي نفسها وهو النموذج الذي استوقفني لطبيب يروي عبر وسائل التواصل الاجتماعي قصة من الواقع جمعته بأحد جيرانه مشهود له بالأدب الجم وحسن الخلق إلي جانب أنه متحدث لبق ومستمع جيد ومحاور هادئ.
يقول الطبيب : ذات يوم كنت استقل معه سيارته الخاصة واستدعي انتباهي وجود أكثر من عشرين علبة "شيكولاتة" من النوع الفاخر جدا علي المقعد الخلفي للسيارة ما أثار فضولي لأسأله : "إلي أين تذهب" فأجاب معلقا: وهل تريد أن ترافقني؟ قلت مرحبا : "لا مانع".
ويمضي الطبيب في روايته مشيرا إلي أن جاره النبيل سار به إلي حي فقير جدا ثم توقف وحمل عددا من علب "الشيكولاتة" الفاخرة وصعد إلي أحد البيوت وراح يدق الأبواق. دق الباب الأول ففتح له أولاد صغار وعندما رأوه قفزوا فرحا ونادوا علي أمهم : "انه صاحب الشيكولاتة".. وظل يتكلم معهم ثم استأذن. ثم دق الباب الثاني فخرجت سيدة عجوز وبمجرد أن رأته تهلل وجهها وظلت تدعو له.. ثم أعطاها العلبة وانصرف.
يواصل : هكذا كان الاحتفاء به مع كل باب يطرقه جاري ما جعلني اسأله ونحن في طريق عودتنا : ولماذا لم تعطهم مالا أفضل من الشيكولاتة؟ فتبسم كعادته وطلب مني فتح احدي العلب لأجد بجانب الحلوي الفاخرة ظرفا به مبلغ من المال فعاودته : ولماذا لم تكتف بالمال؟ أجابني: يادكتور أنا محب للشيكولاتة وأتناولها كل يوم والله عز وجل قال : "لن تنالوا البر حتي تنفقوا مما تحبون" ومضي يخاطبني بأن الصدقة "فن" والفقير يشتهي مثلما نشتهي... وفي الدنيا السلعة بحسب مكيالها الحديد بالطن. والفاكهة بالكيلو. والذهب بالجرام.. والألماس بالقيراط.. أما في الآخرة فيكون بالذرة مصداقا لقوله تعالي : "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره.. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره".
* * انتهت القصة ليبقي النموذج وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف