المساء
أحمد سليمان
خبراء الفيس بوك وهيافات الإعلام المصري
بمجرد صدور القرارات الاقتصادية الأخيرة المتعلقة بتعويم الجنيه وتحريك أسعار البنزين والسولار تحول المتعاملون مع الفيس بوك إلي خبراء اقتصاديين يعرفون في شئون الاقتصاد أكثر من الدولة ووزرائها وخبرائها الحقيقيين الذين قضوا حياتهم في دراسة النظريات الاقتصادية وتطبيقاتها وخاضوا تجارب خرجوا منها بدروس مستفادة تؤكد أن ما يصلح للتطبيق في دولة معينة قد لا يكون صالحاً للتطبيق في دولة أخري. وأن هناك إجراءات تصبح واجبة التطبيق عند الوصول إلي نقطة معينة من الأوضاع الاقتصادية وإلا فسوف تزداد الأمور سوءاً ويعاني الناس فوق معاناتهم.
في دقائق أصبح رواد الفيس بوك خبراء اقتصاد بينما الغالبية منهم لا يعرفون الفارق بين الميزان التجاري وميزان المدفوعات والميزانية والموازنة العامة للدولة. وهو أول درس يتعلمه طلاب الاقتصاد في كليات التجارة والسياسة والاقتصاد. وربما لا يعرف معظم هؤلاء كيف يتم احتساب الناتج القومي للدولة ولا كيف يتم احتساب معدل البطالة. المهم أنهم أصبحوا في لحظات خبراء يعدلون علي من أفنوا حياتهم في دراسة الاقتصاد وتأثير أي قرار علي الأسواق ومعدلات البطالة والقوة الشرائية للعملة المحلية وغير ذلك من عواقب لأي قرار يتم اتخاذه.
الغريب أن الواحد منهم يتهم رئيس الوزراء ووزراء التجارة والصناعة والاستثمار والمالية ومحافظ البنك المركزي بالجهل والغباء. بل وصل الأمر إلي حد الشتائم القذرة التي يعف الإنسان عن ذكرها بسبب اتخاذ هذه القرارات. والأغرب أنك تجد من يدخل علي صفحة أخينا هذا "الأجهل من دابة" ويؤيده قائلاً "كلامك سليم مائة بالمائة". وتنهال الإعجابات والتعليقات المؤيدة لهذا الجاهل من أصدقائه الأجهل منه.
لا أقول إن كل من علق علي القرارات الاقتصادية كان متجاوزاً أو غير موضوعي. فهناك من كان يحمل رؤي اقتصادية صحيحة ولكنه يعلم أيضاً أن هذه القرارات كان لا بد منها. ومن ير تعليقات خبراء الاقتصاد الحقيقيين في مصر والعالم علي هذه القرارات يتأكد أن مصر تسير علي الطريق الصحيح. ولكن يجب أن يتبع هذه القرارات تشديد الرقابة علي الأسواق وزيادة الحملات لضبط المتلاعبين بقوت الشعب والإمساك بالفاسدين حتي يتأكد المواطن أن الدولة جادة في ضبط الأسواق ومنع التلاعب بمصيره. وقد تم بالفعل بعد صلاة الجمعة أمس عقد اجتماع عاجل بالفيديو كونفرانس بين رئيس الوزراء والمحافظين للتأكيد علي ضرورة مراقبة وضبط الأسواق بعد القرارات الأخيرة وتوفير السلع الأساسية للمواطنين.
أقول هذا ليس دفاعاً عن الحكومة التي لها أخطاؤها الكفيلة بالإطاحة بها ولكن دفاعاً عن مصر التي تمر الآن بأخطر مراحلها. وكما قال خبراء الاقتصاد الحقيقيون إنهما يومان أو ثلاثة علي الأكثر وينضبط سوق صرف العملات في مصر. وما هي إلا أشهر ثلاثة علي الأكثر ويصل حجم الاحتياطي النقدي إلي ثلاثين مليار دولار وفي ذلك تقوية للموقف المالي والاقتصادي للدولة. وما هي إلا سنة أو سنتان علي الأكثر حتي يشعر المواطن بالآثار الإيجابية لهذه القرارات التي تأخرت عشرات السنين للقضاء علي سوق العملات الموازية ولإصلاح أوضاع اقتصادية متأزمة وكانت تسير في طريق أكثر تأزماً.
أما إعلامنا فقد تابعته عقب انتهاء المؤتمر الصحفي للسيد طارق عامر محافظ البنك المركزي للتعليق علي تعويم الجنيه والرد علي أسئلة الصحفيين. تابعت المواقع الإخبارية والقنوات الفضائية وكانت الصدمة أن معظم هذه المواقع والقنوات تركت فحوي المؤتمر وما جاء به من قرارات وتعليقات وتفسيرات مهمة لتوضيح ما هو مبهم لدي المحررين الاقتصاديين بالصحف والقنوات الفضائية الذين حضروا المؤتمر.
وانشغلت بجملة قالها محافظ البنك المركزي علي سبيل الدعابة وهي "زوجتي ستكون سعيدة بهذه القرارات لأن وديعتها هتعمل فلوس".. أرأيتم هيافة إعلامية أكثر من ذلك؟ هل هذا هو الإعلام الهادف أم الإعلام الهايف؟ هل هذا الإعلام هو المخول بتوجيه الرأي العام وتنويره وشرح ما هو غامض أو غير مفهوم من الأمور المختلفة؟ هل هذا الإعلام هو المنوط به زيادة وعي المواطن بالتغيرات الاقتصادية والسياسية وغيرهما؟ .. أشك في ذلك.
مطلوب من الدولة الآن الخروج بتفسيرات مقنعة عن طريق خبرائها الاقتصاديين الحقيقيين ليتكلموا عن النتائج المترتبة علي هذه القرارات. وماذا فعلت الدولة حتي لا يتأثر المواطن العادي بها بشكل كبير. وما هو الحد الأقصي للمدة الزمنية التي من المنتظر أن ينصلح بعدها حال الاقتصاد ويري المواطن إيجابيات هذه القرارات. مطلوب الآن وبسرعة عدم ترك الساحة لمن يفتكسون ويهرتلون بلا علم ولا بصيرة ويصيبون الناس بالإحباط ويزرعون اليأس في أنفسهم. والحكومة أكثر من يعرف انعكاس ذلك علي كل شيء في مصر في هذا التوقيت بالذات.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف