يوسف القعيد
رسالة للمهندس ياسر القاضي
في الوقت الذي كنت أقرأ فيه تصريحات عصام الصغير، رئيس الهيئة القومية للبريد، التي أدلي بها لأحمد عواد، بجريدة الشروق، 1 نوفمبر 2016، جرت لي مع البريد حكاية مؤلمة.
قال رئيس هيئة البريد إن الهيئة حققت في الربع الأول من العام المالي 2015-2016 فائضاً مالياً قدره مليار و41 مليون جنيه. مقارنة بـ 165 مليون جنيه في العام السابق.
وشرح رئيس الهيئة أنها نجحت في تحقيق العديد من الإنجازات علي أرض الواقع بدعم مستمر من المهندس ياسر القاضي، وزير الاتصالات. وأن ما حققته الهيئة من نجاح خلال الفترة الماضية يعتبر نجاحا غير مسبوق. وهو نتاج خطة استراتيجية شاملة. وضعتها الهيئة لإحداث نقلة نوعية بكل القطاعات والخدمات وطفرة تكنولوجية كبيرة تؤكد تواجد الهيئة بالسوق المصرية وتعزز قدرتها علي المنافسة.
أما قصتي أنا فقد أرسلت لي مؤسسة سلطان العويس بالإمارات العربية المتحدة كتابين من تأليفي. هما روايتي: يحدث في مصر الآن، والحرب في بر مصر. فبعد أن حصلت علي جائزة سلطان العويس هذا العام. عرفت من الصديق عبد الإله عبد القادر، أمين عام الجائزة أن من تقاليدها طبع كتاب أو كتابين للفائز. وقد تشاورنا معاً واخترنا صدور الروايتين في كتاب واحد.
بعض صدور الكتابين تواصلت معنا الصديقة حنان العزب، المسئولة بالجائزة لكي ترسل لي نسخاً من الكتاب الذي يحتوي علي الروايتين. لم أكن متحمساً لفكرة الإرسال بالبريد. لما أسمعه من تعقيدات يضعها البريد أمام من تصل إليهم كتب من الخارج. أعترف أنني لم أفكر في شركات البريد السريع الدولية، التي تقوم بعملها علي أكمل وجه.
رفضت حتي المقارنة بين بريد بلدي والبريد الدولي، لمرض لا أحب الشفاء منه. ألا وهو الارتباط بالوطن والإعلاء من شأن ما يتصل به. واعتباره يعلو ولا يعلي عليه مهما كانت المشاكل الناتجة من التعامل مع البريد المصري.
فوجئت بخطابين من البريد المصري. الأول في 23-10، والثاني في 2-11. والخطابان مرسلان من قطاع التبادل واللوجستيات، قسم المحجوز سريع/ حكومي. والمكتوب هو الآتي: ورد لسيادتكم الطرد الموضح بياناته أعلاه. ومطلوب حضوركم لتسليم المستندات المؤشر عليها أدناه. وعرض الطرد علي الجهات الآتية: جهات العرض: الجهاز القومي للاتصالات، التزييف والتزوير، موافقة الاستثمار، موافقة الإدارة العامة للمطبوعات والنشر، الأمن العام، الإذاعة والتليفزيون، الزراعة، إشعاع، الدمغة والموازين، الحجر البيطري، الإفراج الطبي (صيدليات)، الأغذية، المصنفات الفنية، مشيخة الأزهر، جهات أخري.
أما المستندات المطلوبة فهي: جواز السفر، صورة البطاقة الشخصية، 4 ك م »سفارة» 11 ك م حربي، مستندات أخري.
مع مراعاة أنه سيتم احتساب أرضيات بعد الخمسة أيام الأولي من تاريخ ورود الطرد تبدأ من تاريخ تحرير الإخطار. والخطاب غير موقع من أحد، ويبدو أن موظفاً وضعه في مظروف وكتب عليه العنوان الوارد من الإمارات، وأسفل الصفحة المؤلمة والقاسية: مركز التبادل الدولي واللوجيستي، مطار القاهرة الدولي، بجوار قرية البضائع.
أقسم بالله العلي العظيم لا توجد أي مبالغة فيما كتبته. والخطاب والاستمارة المفزعة موجودة لديَّ. وقد ذهلت من أن تتصرف مصلحة البريد سنة 2016 بمنطق القرن التاسع عشر. عندما كان البريد وسيلة التواصل الوحيدة بين البشر. ألا يعرف محرر الخطاب ورئيس هيئة البريد أن الموجود في الطرد روايتان لي؟ إن لم يكن يقرأ الروايات، فقد جري تحويلهما لفيلمين سينمائيين: الحرب في بر مصر، أصبحت فيلم: المواطن مصري. يحدث في مصر الآن، أصبحت فيلم: زيارة السيد الرئيس.
هل يعقل أن يحدث هذا في زمن أهم سماته ثورة الاتصالات وشبكات الإنترنت التي دفعت الجميع أن يطلق علي عصرنا أنه عصر أصبح فيه العالم قرية صغيرة؟ ثم هل من المعقول ألا يعرف رئيس هيئة البريد أن التواصل عن طريق البريد أصبح في أقل حالاته؟ وأن من يلجأون إليه يتم ذلك بمنطق الاضطرار والضرورة وليس انطلاقاً من الاختيار.
ثم هل يعقل أن يذهب من أتي له طرد إلي كل هذه الجهات؟ إن وصول الطرد له يصبح عقوبة. فكرت في الكتابة لهم أن يتكرموا ويعيدوا الطرد من حيث أتي. لكني ليست لديَّ ثقة في كثير من جهات الحكومة المصرية الراهنة.
أكتب هذا الكلام وأنا في أقصي درجات الحزن، لأن مصر بلدي. وأحب الوقوف معها حتي لو كانت علي خطأ. ثم إن رئيس هيئة البريد لا بد أن يعرف أنه رئيس للبريد المصري. وليس لجهاز توفير. وأن المليارات التي يتباهي أنه حققها تأتي من نشاط تالٍ، ألا وهو: التوفير. وما دام عملهم في دورهم الأساسي هكذا. فإن دورهم البريدي يمكن أن يتراجع. ثم أين مساعدات ياسر القاضي لهم ليتقدموا؟.