الأهرام
محمد صابرين
أسئلة صعبة بشأن توازن القوى بالشرق الأوسط
السؤال المباشر الآن يتعلق بعملية إعادة ترتيب الشرق الأوسط وتوازن القوى فى المنطقة فى ظل جدل امريكى بشأن حجم التدخل! وماهية المصالح الحيوية الأمريكية.. وهذا كله يتقاطع عند نقطة مهمة أمريكا أولاً وانطلاقا من قناعة بأن القوة الامريكية لم تعد بلا حدود وحاسمة فى أى نزاع، بل ظهر جلياً الآن أن هناك حدودا للقوة الأمريكية، والأخطر هو أن هناك ثمة عزوف عن المضى قدما لإصلاح العالم، أو فرض الرؤية الأمريكية. وقبل أيام من معرفة الرئيس المقبل للولايات المتحدة فإن اثنين من كبار رجالات الدبلوماسية الامريكية والذين عملوا مع بيل كلينتون يقدمان مذكرة علنية إلى الرئيس الجديد خلاصتها تقليص مشاركتها فى منطقة الشرق الأوسط إلى الحد الأدني، وتجنب إغراء ذلك الشيء المعروف بالرؤية فى المنطقة ويرى آرون دافيد ميلر الباحث الكبير بمركز وودور ويلسون وريتشارد سوكولسكى الباحث المخضرم فى برنامج روسيا وأوراسيا بمؤسسة كارنيجى أن واشنطن تورطت فى الشرق الأوسط، إلا أنهما يؤكدان أن أمريكا لا تستطيع أن تغير الشرق الأوسط ولا أن تغادره، ومن جانبه يقر دينيس روس الدبلوماسى البارز والمنخرط بشدة فى شئون المنطقة أن سياسات الإدارة المقبلة أن تعتبر استخدام القوة كخيار أول أو أن تتجه نحو استخدام القوة الغاشمة، ويرى روس ـ الذى عمل فى إدارات ديمقراطية ـ أن الادارة المقبلة سوف ترى أن لنا نصيباً من حجم التأثير على توازن القوى الاقليمى بالشرق الأوسط، وسترى أن استعادة ثقة اصدقاء أمريكا التقليديين فى الشرق الأوسط أمر مهم لحماية مصالحنا بالمنطقة، وأحسب أن تأمل اسئلة النخبة الأمريكية بشأن المستقبل أمر مهم لمعرفة نوعية السيناريوهات المقبلة، وكيف يمكن لنا أن نرتب أوراقنا ونعظم مصالحنا فى منطقة تجرى بها عملية جديدة لتوازن القوي!

.. ونعود إلى ميلر وسوكولسكى اللذين يؤكدان أن رؤى التغيير الطموحة والجريئة الأمريكية عادة ما انتهت إلى الموت، وهو الأمر الذى يستدعى إجراء عملية تقييم قاسية للمصالح الأمريكية والتطبيق الذكى للقيادة والقوة الأمريكية مع خليط من الحيطة والحذر لحمايتهم، وتجنب المشاريع التى لا ترتبط مباشرة مع المصالح الحيوية الأمريكية ويقدم الباحثان عشرة أشياء ينبغى على الإدارة المقبلة عدم عملها أو قولها حتى يمكنها أن تبحر وسط الألغام والمكائد والقضايا التى بلا أمل والمهام المستحيلة فى المنطقة؟!. وهذه الوصايا العشر هى كالتالي: أولاً: الإدارة عليها أن تطهر القاموس اللغوى الذى تستخدمه لوصف دورها ومسئولياتها فى المنطقة، فالولايات المتحدة ليست لديها القدرات ولا المصلحة لتنصب نفسها القوة التى لا غنى عنها من أجل كل قضية ميؤوس منها فى الشرق الاوسط، وهنا يحددان بوضوح هذه القضايا بأنها القضايا المذهبية أو الهوية الوطنية أو أسلوب الحكم الداخلي.

ثانيا: تجنب قول أى شيء علنا وأنت لا تعنيه. إن الكلمات مهمة، وخاصة كلام الرؤساء والمهم هنا هو أن المصداقية للإدارة تعنى اعتقاد الآخرين فيما تقوله سواء الحلفاء أو الخصوم، نظراً لأنهم يعتقدون أنها تتصرف حسبما تقول، ويشير الرجلان إلى تهديد أوباما والخط الأحمر للأسد بشأن الأسلحة الكيماوية والذى جرى التراجع عنه؟!.

ثالثا: لا تشتروا مقولة إن نفوذ أمريكا ووضعها فى المنطقة فى تراجع، فبالرغم من بعض الحقيقة فى هذه المقولة فإن المهم هو حماية مصالحنا. وحدد ميلروسوكولسكى هذه المصالح بأنها: حماية الداخل الامريكى من اى اعتداءات إرهابية، إنهاء اعتمادا الولايات المتحدة على البترول العربي، ومنع ظهور قوة اقليمية مسيطرة وتمتلك قدرات نووية (إيران مثال) ويرى الرجلان أن واشنطن تحرز تقدماً فى هذه المجالات الثلاثة.

رابعاً: رغم أن روسيا تصرفت بصورة سيئة فى أوكرانيا وسوريا، فإنه يجب عدم التورط فى حمى حرب باردة جديدة بين واشنطن وموسكو فى الشرق الاوسط. فروسيا لا تملك النية ولا القدرة لاقامة روسيا العظمى المهيمنة على المنطقة، وليس صحيحا أن كل خطوة روسية مضادة للمصالح الامريكية (التعاون فى التخلص من ترسانة الأسد الكيماوية وعقد الاتفاقية النووية مع إيران)

خامساً: يجب عدم الاندفاع وراء أهداف براقة على الورق تعد بزيادة النفوذ الأمريكى دون التفكير فى العواقب مثال فرض منطقة حظر جوى فوق سوريا ومناطق آمنة، هنا لابد من دراسة احتمالات المواجهة مع روسيا.

سادسا: عدم التورط فى بشارة نشر الديمقراطية، فالمنطقة ليست مستعدة لنشر القيم الأمريكية. وهذا درس مؤلم بعد 13 سنة من غزو العراق، وفشل الربيع العربي.

سابعاً: لا تدع حلفاءنا وأصدقاءنا يشعروننا بالذنب، الأمر الذى يستتبعه تعميق التزاماتنا الأمنية فى المنطقة، واستخدام القوة لحل ماه و بالأساس مشاكل سياسية ويؤكدان هنا أن المشاكل يجب أن تحلها الحكومات العربية. ويشيران إلى تورط أمريكا فى حرب اليمن لإرضاء السعودية؟!

ثامنا: لا تطارد عملية السلام ما بين الإسرائيليين والفلسطينيين ما لم تكن هناك إشارات واضحة من أن الاطراف المحلية ذاتها ـ والعرب ايضا ـ مستعدون للعمل من أجل السلام.

تاسعاً: لا تغير المسار العام للسياسة الامريكية فى المنطقة والتى شيدها الرئيس باراك أوباما، فهذه المنطقة فى فترة انتقالية وعملية تحول الى مكان غير معلوم واشنطن عليها أن تنسى عملية إصلاح الأمور، وأن تقبل الواقع بأن النتائج فى معظم القضايا ليست حلولا، بل جهود فعالة لإدارة واحتواء والحد من المشاكل؟!

عاشراً: وأخيراً أيا من الوسائل المذكورة اعلاه تعنى تعليق يافطة مغلق بالنسبة للمشاركة الامريكية فى الشرق الاوسط. فالولايات المتحدة لديها مصالح وحلفاء وخصوم وهناك مخاطر كبيرة ومرتفعة جداً وهى الارهاب، وأمن الطاقة للكثير من اجزاء العالم ، ومنع الانتشار النووى لابد من التركيز على المصالح الحيوية الامريكية.

ويبقى فى النهاية أن هذه الرؤية الواقعية للمصالح الأمريكية تفتح نافذة للتعاون وفقا للمصالح المشتركة، وإعادة الاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط بعيداً عن التدخلات العسكرية، ولمواجهة الإرهاب ونشر الأمل لدى الأجيال الشابة فى مستقبل أفضل، وحياة أحسن بعيداً عن التطرف ورفض الآخر، كما أن واشنطن باتت تدرك حدود قوتها، وإن لم تنس مصالحها الحيوية وهذا كله يستدعى مساعدة واشنطن بالوسائل الدبلوماسية ومشروعات مارشال عملاقة لإعادة بناء الشرق الأوسط حتى يصبح أرضاً للفرص، وتلاقى الحضارات لا صراعها، وتعايش المذاهب لا شن حروب مدمرة بينها، وستطول نيرانها الجميع. هذه الخطة للعمل معاً، وأحسب أن القاهرة عليها أن تنتهز الفرصة وتمد يدها إلى الجميع للمشاركة فى عودة الهدوء للمنطقة.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف