المساء
محمد جبريل
محمد فوزي
شاهدت الكثير من أفلام محمد فوزي واستمعت إلي الكثير من ألحانه لكن المشهد الذي علق في ذاكرتي ـ فأنا أستعيده حين تأتي سيرة الفنان الراحل ـ وقفته عند خزان أسوان. يتأمل النيل في جريانه نحو الشمال. أما اللحن فهو: يا موج النيل علي مهلك.. يا رايح مصر باندهلك.. أمانة أمانة.. روح وطمني!
لا أذكر اسم الفيلم. ولا أحداثه. أو أبطاله. ولا حتي بقية كلمات الأغنية. وإن كان ذلك بداية تعلقي بفن محمد فوزي. وهو التعلق الذي ظل قائماً. منذ ذلك اليوم البعيد في سينما رأس التين. أحببت محمد فوزي وجدت فيه ملحناً يسبق عصره "ولد في 1918. العام نفسه الذي ولد فيه جمال عبدالناصر". يذكرني بمحمد حافظ رجب في القصة القصيرة. قال يحيي حقي إن قصص حافظ رجب سبقت زمانها. ظني أن هذا القول ينطبق أيضاً علي أغنيات محمد فوزي. أكثر من أربعمائة لحن. لنفسه. وللآخرين. فضلاً عن بطولته لما يقرب من 35 فيلماً. ثمة من أهمله. وثمة من أبدي ملاحظات. لكن ألحانه ظلت معلماً يصعب إغفاله. بل إن العين المتأملة عن بعد تبينت ما كان قد علاه الشحوب في عصرها. فهي تنتمي إلي عصرنا الحالي. وربما إلي المستقبل أيضاً. أذكرك بالدويتو الجميل "شحات الغرام" الذي شاركته في أدائه مطربة جيلنا ليلي مراد. وبأغنياته: بلدي أحببتك يا بلدي. حبيبي وعينيه. أي والله. السعد واعدني. تملي ف قلبي. الشوق حيرني.. ولعلي أضيف أغنياته للأطفال. وأهمها ذهب الليل.. طلع الفجر.. والعصفور صوصو.
كان رحيل محمد فوزي إلي القاهرة من قريته كفر الجندي التابعة لمدينة طنطا. بداية رحلة تكاملت فيها العصامية علي المستويات الاجتماعية والتعليمية والمادية. لكنه تجاوز ذلك كله بما كان يمتلكه من قدرات فنية في مجالات الموسيقا. فرض وجوده الفني في زمن نجوم الغناء: أم كلثوم. عبدالوهاب. كارم محمود. الأطرش. عبدالمطلب. عبدالعزيز محمود. عبدالغني السيد. كما عاصر نجوم التلحين: السنباطي. عبدالوهاب. الأطرش. القصبجي. الشريف. أحمد صدقي. وغيرهم. لحن أكثر من 400 نص. أداها بنفسه. أو عهد بأدائها إلي آخرين. وأنتج للسينما 34 فيلماً. قام فيها بدور البطولة. ومثل. وغني. أمامه أبرز فنانات العصر.
لم يقتصر تفوق محمد فوزي علي جنس فني محدد. لكنه شمل التلحين والأداء الغنائي والتمثيل. فضلاً عن قدرته علي الإدارة. سواء في الإنتاج السينمائي. أم في ملكية شركة أسطوانات مصرفون. كان آخر مشروعاته لإنتاج الأسطوانات باسم "مصرفون". باع لإنشائها كل ما كان لديه من أرض وعقارات وأسهم. فضلاً عن أمواله السائلة. مثلت ريادة مهمة في مجالها. لكن قرارات التأميم "1961" ابتلعت ذلك كله. ووجد فوزي نفسه مديراً. موظفاً بشركته. مقابل أجر شهري قدره مائة جنيه!
كان لما حدث تأثيره القاسي علي محمد فوزي. بدل حياته العملية والشخصية. تلاشي كل ما كان أعده لمستقبل الشركة. واعتبر البعض ذلك عاملاً مباشراً في المرض الغريب الذي أودي بحياته. واجه مرضاً غامضاً. عاني تأثيراته خمس سنوات متتالية. ما بين 1961 و1966. ونقص وزنه من 77 كيلو جراماً إلي 40 كيلو جراماً فقط. ومات في العشرين من أكتوبر 1966 بتأثير المرض الذي سماه الأطباء ـ لغرابته ـ مرض محمد فوزي.
قيل إنه كتب رسالة ـ قبل رحيله ـ إلي الصحف. قال فيها: فإذا مت. أموت قرير العين. فقد أديت واجبي نحو بلدي. وكنت أتمني أن أؤدي الكثير. لكن إرادة الله فوق كل إرادة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف