المصريون
جمال سلطان
الشامتون في آلام الشعب غير جديرين بقيادته أو بثقته
في الأعوام الثلاثة الماضية انتشرت بعض الأفكار والمشاعر والتعبيرات بين أنصار الرئيس الأسبق محمد مرسي تحمل مشاعر كراهية حقيقية للشعب المصري بشكل عام والشعور بخذلانه ، وأنه باع الرئيس المنتخب وأنه دعم عملية إطاحته ورقص على أغاني "تسلم الأيادي" ، وقد سمعت بنفسي هذا الكلام بصيغ مختلفة محصلتها أن هذا الشعب لا يستحق أن تخدمه ولا أن تضحي من أجله ، كما تم تداول شبيه له أقل حدة على الكثير من صفحاتهم ومواقعهم ، وكلما ساءت أحوال الناس الاقتصادية كلما زادت شماتة الإخوان في متاعب الناس وآلام البسطاء ، وكلما عيروهم بالرقص على أغاني 30 يونيه ، كما كانت تلك الشماتة تشمل معارضي الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي من التيارات المدنية الأخرى ، بمن فيهم شباب ثورة يناير وخاصة المنتمين إلى جبهة الإنقاذ السابقة ، التي شاركت في مظاهرات مهدت لإسقاط مرسي ، وكلما نال أحدا منهم مكروه باعتقال أو تلفيق تهمة أو حتى تعذيب وقتل كلما ظهرت أصوات الشماتة من قبل أنصار مرسي والإخوان ، وقالوا لهم "اشربوا" ، أليس هذا من أسقطتم مرسي من أجله . التطور الجديد الذي لاحظته في الأيام الأخيرة هو انتقال عدوى هذا "الداء" من أنصار مرسي إلى نشطاء ثورة يناير والذين يشعرون بالغدر مما جرى بعد 30 يونيه وأنه تم استخدامهم لتمرير سيناريو تم تجهيزه سلفا ، وكان أبناء هذا التيار من شباب يناير وأنصار الثورة وأحلامها قد عانوا هم أيضا خلال الأعوام الثلاثة الماضية من تجاهل قطاع شعبي واسع لمتاعبهم مع النظام الجديد وهي المتاعب التي تفاقمت تدريجيا حتى وصلنا إلى ما نحن فيه اليوم ، وأحيانا ابتهاج بعض القطاعات الشعبية أو تأييدها للإجراءات العقابية التي تحاصر النشطاء وتلاحقهم في مظاهراتهم المحدودة والخجولة ، خاصة في العامين الأخيرين ، وتشعر من شباب الثورة مرارة الإحساس بأن الشعب "باعهم" وقد ضحوا من أجله ودفعوا الثمن دما وسجونا وتضحيات عديدة ، اليوم تسمع أصواتهم تشمت في آلام الناس الاقتصادية ومتاعب الفقراء بعد تفاقم الوضع الاقتصادي مؤخرا ، والبعض يقترح أن نشغل لهم أغاني "تسلم الأيادي" و"بشرة خير" لمزيد من النكاية بالوجع ، لأنهم ظاهروا النظام في مرحلة سابقة ضدهم ولم يعبأوا بآلامهم وتضحياتهم . في تأمل تلك الظاهرة ، يحضرني بيت شعر قديم : يقضى على المرء في أوقات محنته .. حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن ، لأن ما يحدث هو أكثر من خطأ سياسي ، هو خطيئة أخلاقية ، وتقليص لمساحات النبل في الشخصية الوطنية ، ووصم لها بأنها لا تضحي إلا من أجل نفسها وحقوقها المباشرة أو من أجل فرض رؤاها وبرامجها وأفكارها ، وأن من لم يؤمن بطريقها ويدعم خطواتها ويناصرها على طول الطريق فهو لا يستحق أن تناضل من أجله ، أو تعمل من أجل أن تعيد إليه حقوقه ، سياسية أو اقتصادية أو إنسانية ، ويتجاهل هؤلاء أن من خذلوهم ليسوا بالأساس خصما ولا عدوا ، وإنما إنسان اختلف معك في تقدير الموقف أو الظرف ، أصاب أو أخطأ أو أهمل ، وربما كان جزء من المسئولية يقع عليك أن فشلت في أن توصل رسالتك إليه بالصورة الصحيحة والكافية وعجزت عن إقناعه بما يكفي أو أن تتواصل معه كما كنت تتواصل حميما مع رفاقك وربما شلتك ، كما أنه في العمل الشعبي العام يستحيل أن تأخذ شعبا كاملا بأخطاء قطاع منه أو إهمالهم ، ولو كان هذا القطاع مليون أو حتى عشرة ملايين ، اختلفوا معك ولم يقدروا دورك ولم يؤمنوا بقضيتك في تلك اللحظة ، فهذا لا يعني أن تشمت في محنة ثمانين مليون آخرين ، لا صلة لهم بهذا الاشتباك كله . ليس ضروريا أن تكون فقيرا لكي تدافع عن الفقراء ، وليس ضروريا أن تتعرض للتعذيب لكي تدافع عن حقوق المعذبين ، وليس ضروريا أن تكون مغتصب الحقوق لكي تدافع عمن اغتصبت حقوقهم ، وليس ضروريا أن تكون مظلوما لكي تدافع عن المظلوم ، حتى لو كان هذا المظلوم قد خذلك في وقت سابق ، النضال من أجل الإنسان ـ حريته وكرامته وحقوقه السياسية والاقتصادية ـ قيمة في حد ذاتها ، قيمة دينية وقيمة إنسانية وقيمة أخلاقية ، وقيمة وطنية أيضا ، ودائما هناك مثل عليا وقضايا كبرى تذوى أمامها صغائر النفوس ومراراتها ، ولا تدفع فيها السيئة بالسيئة ، وإنما تدفع السيئة بالحسنة ، والإحسان يقهر الإساءة ، والنبل يهزم الانتهازية ، ومثل هذه الروح هي التي تأخذ بيد الإنسانية للأفضل ، وهي التي تملك مفاتيح المستقبل الأرشد ، وهي التي تحمي إنسانية الإنسان ، ولذلك كان "الشهيد" هو الرمز الأعظم للتضحية ، لأنه بذل حياته كلها ومضى ، دون أن ينتظر النتيجة ، ودون أن يدخل في تلك الحسابات الصغيرة الشامتة وقصيرة النظر .

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف