الوطن
ناجح ابراهيم
ثورات فى كل مكان
قامت ثورة 23 يوليو لتحقيق عدة أهداف منها إقامة حياة ديمقراطية سليمة. كانت الثورة سلمية، وهذه عظمتها، نجحت فى بعض الأهداف، لكنها تورطت فى سلبيات أكثر وأخطر من السلبيات التى جاءت لعلاجها.

تسلّم الثوار مملكة اسمها «مملكة مصر والسودان»، ومات عنها عبدالناصر دون السودان وسيناء، كان فيها ديمقراطية تداول سلطة معقولة فإذا بها تتحول إلى ديكتاتورية كاملة تصادر الحريات العامة مبررة ذلك بضرورات تحرير القرار الوطنى، ألغت حرية الصحافة وأمّمت جميع الصحف، وأصبح هناك صوت واحد لا ثانى له هو «صوت الزعيم» الذى لا يجرؤ أحد على مخالفته أو نقده.

ثم جاء شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» ليكمل تكميم الأفواه، كان هناك عدل اجتماعى ولكن على حساب الحريات العامة، التأميم الشامل خرّب الاقتصاد المصرى، استدانت مصر بعد أن كانت دائنة، دشن الإعلام نظرية المؤامرة التى بررت إسكات الجميع حتى لا يكون البعض سنداً للمؤامرة.

قامت ثورة النشامى الشباب على الملك فيصل فى العراق، سحلوا الملك ورجاله وأسرته، تسلموا الحكم، أزاح بعضهم بعضاً بالانقلاب تلو الانقلاب، حتى وصل صدام حسين الذى دخل فى مغامرات عسكرية كثيرة، تارة مع إيران، وأخرى مع الكويت، وثالثة بضرب الأكراد بالأسلحة الكيماوية، ورابعة مع إسرائيل.

أدّت هذه المغامرات إلى نهاية العراق تماماً، قُسّم العراق ولن يعود، احتلت إيران بعضه، ووهبت أمريكا كردستان العراق لإسرائيل.

ثورة النشامى أضاعت العراق تماماً، ولو أن الملك فيصل وأسرته ظلوا يحكمون العراق لما أصبحت هكذا مرتعاً للتعصب والتقاتل المذهبى والمراهقة السياسية.

ثار القذافى الملازم الشاب على الملك السنوسى وأزاح حكمه بعدة دبابات مع رفاقه الضباط الصغار الذين حكموا ليبيا بالجنون والخبل والحديد والنار والكتاب الأخضر المجنون الذى أنفقوا على ترويجه الملايين دون جدوى، وبعد أن ثاروا على الملكية أراد القذافى توريث ابنه سيف، ولكن الثورة قامت عليه فتدخّل الأطلنطى ليحوّل ليبيا مع القذافى والمجموعات المسلحة إلى أطلال وخراب، تُرى لو بقيت ليبيا ملكية أكان يمكن أن يحدث لها ذلك؟

ثار عمر البشير على الحكم الديمقراطى الوليد فى السودان فإذا بالشطر الجنوبى ينفصل وإذا بدارفور وغيرها تطلب الانفصال بتشجيع الغرب، وما زالت السودان تعانى حتى الآن، فلا أدركت الرفاهية ولا الوحدة ولا الديمقراطية.

ثار السوريون على بشار الأسد الذى كان ظلمه أقل بكثير من أبيه، بدأت الثورة سلمية، قمعها بشار بقسوة، كان يمكنه الاستقالة وتكليف وليد المعلم بالحكم مؤقتاً وإجراء انتخابات مبكرة، فبشار نفسه جاء بالغش والتدليس، ظلت الثورة سلمية عاماً كاملاً، ثم ركبها المسلحون والتكفيريون والميليشيات الشيعية وحزب الله الذين جاءوا من كل مكان، ترك الشعب السورى المسكين هذا الجحيم وهاجر فى البلاد.

ثار أهل العراق على الحجاج الظالم المتكبر، قاد الثورة عبدالرحمن بن الأشعث، تقاتل الطرفان فكانت حصيلة الثورة 15 ألف قتيل وعشرات الآلاف من السجناء بينهم العلماء والفقهاء، فشلت الثورة وبقى الحجاج الذى أعدم مئات العلماء والفقهاء والدعاة والأشراف، الحجاج ظالم، ولكن الثورة زادته ظلماً وبغياً ومكّنته بقوة من رقاب الأبرياء.

خرج الآلاف من المدينة المنورة يريدون الثأر للحسين الذى قُتل غيلة وغدراً، كوّنوا جيشاً اسمه التوابون لكى يتوبوا عن خذلان الحسين بن على، جاء جيش الأمويين الجرار فهزمهم وقتل أكثرهم واستباح المدينة المنورة عدة أيام، فلا هم ثأروا للحسين، ولا أزالوا حكم يزيد، ولا أبقوا على أنفسهم، ولا تركوا المدينة المنورة تحتفظ بهيبتها وكرامتها.

حاول عبدالله بن الزبير الصحابى الجليل الثورة على عبدالملك بن مروان، هزم جيشه فلجأ مع من معه إلى الكعبة فضربها الحجاج بالمنجنيق واقتحم مكة، فشلت الثورة وقُتل خير الصحابة «ابن حوارى الرسول».

كان الضباط الأحرار جميعاً مخلصى النية والتوجه فى ثورتهم لخدمة الوطن ورفعته، وكان القذافى وصدام والبشير والثوار السوريون مخلصين أيضاً، ولكن مآلات معظم هذه الثورات كان سلبياً ولم تتحقق معظم أهدافها، بل أدت إلى العكس من أهدافها وخلّفت أوضاعاً أسوأ من الأوضاع التى سبقتها.

ثورة 25 يناير و30 يونيو كانت تريد أوضاعاً أحسن، إلا أنها لم تحقق ما كانت تصبو إليه، بل خلّفت أوضاعاً أسوأ وبعضها خلّف أوضاعاً مأساوية ومؤلمة، جعلت بعض الذين شاركوا فيها يندمون على هذه المشاركة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف