الجمهورية
د. محمد مختار جمعة
لماذا يحرفون القرآن ؟
تساؤل ربما يكون عجيباً أو غريباً لدي كثير من المتلقين. وبخاصة لدي من لا يعرفون حقيقة الجماعات المتطرفة. علي أنني لم أسأل هل يحفظ أعضاء تلك الجماعات القرآن أو بعضا منه أو لم يحفظوا منه شيئا. إنما أتساءل هل يؤمن الإخوان والإرهابيون بالقرآن إيمانا حقيقياً وراسخاً تتم ترجمته إلي عمل علي أرض الواقع؟! من منطق أن الإيمان يقتضي التسليم والعمل بمقتضي ما نؤمن به. فالإيمان الحقيقي هو ما وقر في القلب وصدقه العمل. وإلا كان الأمر أدخل في باب النفاق أو الرياء أو الخداع أي أي شيء آخر غير الإيمان الحقيقي والتسليم اليقيني.
وبالمثال يتضح المقال ويقام البرهان. فمن كان يؤمن بالقرآن الكريم إيماناً يقينياً لا يمكن أن يقدم علي سفك دماء الأبرياء. حيث يقول الحق سبحانه: "أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً" "المائدة: 32"
أما هؤلاء المتطرفون الذين يحفظون القرآن ويدعون أنهم حاملو لوائه ورايته. فيقتلون الأبرياء والآمنين تحت صيحات التهليل والتكبير. وباسم الإسلام والقرآن. وهما من كل ذلك براء. وإلا فما ذنب من يقتلون غدراً أو خيانة من أبناء القوات المسلحة ورجال الشرطة والمواطنين الآمنين من خلال الغدر أو التفجير؟
وأوضح مثال لانطماس بصيرة هؤلاء المتطرفين هذا الحادث الأليم الذي وقع علي طلاب الكليات العسكرية باستاد كفر الشيخ. ما الجرم الذي ارتكبوه. وأين نفس التي أزهقوها؟
وحتي لو كان الإنسان قاتلاً فإنه لا يجوز لآحاد الناس ولا لعمومهم قتله أو حتي الأخذ بالثأر منه. لأن تنفيذ الأحكام وأخذ الحقوق في ذلك منوط بحكم قضائي نهائي وبات ومستنفذ لجميع مراحل التقاضي. ثم يكون التنفيذ بمعرفة الجهات المختصة بالتنفيذ. وإلا لصار الناس فوضي وصارت الدنيا غابة يفتك قويها بضعيفها وكثرتها بقلتها.
ومن ذلك أيضا حث الإسلام علي صلة الأرحام ونهيه الصريح عن قطعها. حيث يقول الحق سبحانه: "فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمي أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم علي قلوب أقفالها" "محمد: 22 . 23 . 24".
فنجد عدداً كبيراً من أعضاء وعناصر جماعة الإخوان ينشغلون بالتواصل مع أسر من يخالفهم الرأي. يحاولون إفساد الزوجة علي زوجها. والابن علي أبيه. ويعملون علي حمل الآخ علي مقاطعة بل معاداة أخيه. متناسين أو متجاهلين قول الله تعالي في شأن من كان من الوالدين كافراً أو مشركاً وحاول أن يحمل أبناءه علي الشرك أو الكفر. حيث أكد القرآن الكريم علي عدم طاعتهما في الشرك أو الكفر. مع ضرورة معاملتهما بالحسني حتي مع كفرهما وشركهما ومحاولة حمل الابن أو البنت علي الكفر. حيث يقول الحق سبحانه: "ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا علي وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير وإن جاهداك علي أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون" "لقمان: 14 -15".
وأيضا نسمع قول الله تعالي في سورة التوبة "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" "التوبة: 119" وحديث نبينا محمد "صلي الله عليه وسلم" "ولا يزال الرجل يكذب ويتحري الكذب حتي يكتب عند الله كذاباً" نسمع ذلك ونحفظه. ثم ننظر في حال أعضاء الجماعات المتطرفة وبخاصة جماعة الإخوان الإرهابية فنري عجباً عجاباً من الكذب الممنهج والمتعمد سواء في واقع حياتهم ومعاشهم أم في القنوات المأجورة المسمومة التي تبث سمومها وتحرض علي العنف والقتل وسفك الدماء من خارج الوطن. معتمدة الكذب الصراح والتلفيق والادعاء منهجاً ومسلكاً.
وقد يقول قائل: ما موقع هذا الذي تذكره من عنوان مقالك: لماذا يحرفون القرآن؟ أقول: إن التحريف والتصحيف والخداع قد يكون لفظياً بتحريف النص. وقد يكون معنوياً بتأويله تأويلا نفعياً خاصاً وفق المصالح والأهواء الشخصية أو الحزبية أو التنظيمية. فهم يدعون أنهم أهل القرآن وأحرص الناس عليه. ونحن أحرص علي هذا. غير أنهم يسوغون لأنفسهم التلاعب بالمعني وفق أغراضهم وأهدافهم ومصالحهم بتفسيراتهم وتأويلاتهم المغرضة التي يعد التحريف فيها أخطر وأشد. لأن التحريف اللفظي يسهل كشفه والتصدي له وتصويبه. ولا يستطيع فاعله أن يدافع عنه أو يجادل في فعله. أما التحريف المعنوي فصاحبه يستميت في الدفاع عنه. ويجادل أشد الجدل في أحقيته في هذا الفهم والتفسير. يستوي في ذلك أهل الإفراط والغلو والتشدد والإرهاب. وأهل التفريط والتحلل والدعوة إلي التسيب والانحراف.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف