المصريون
جمال سلطان
الشماتة السياسية إحباط وإفلاس وجناية على الأوطان
غضب كثيرون مما كتبته أمس عن الشماتة التي يبديها قطاع من الإسلاميين وقوى ثورة يناير في الشعب وآلامه الاقتصادية ، بعد تردي الأوضاع الاقتصادية بشكل بالغ القسوة على الناس بسبب سوء إدارة النظام السياسي للموارد التي توفرت للدولة طوال الأعوام الثلاثة الماضية ، شمتوا في الشعب على اعتبار أنه أدار ظهره لهم ولتضحياتهم من أجل حياة أفضل له واتخذ موقفا سلبيا من معاناتهم في المواجهة مع النظام الجديد ، بل والبعض تعاطف مع الإجراءات القاسية وأيدها وغنى ورقص على أنغام أغنياتها ، والحقيقة أن هؤلاء الغاضبين خلطوا بين تقدير المشاعر الخاصة أو الشخصية تجاه آلام إنسانية مقدرة وينبغي احترامها ، بحكم أننا بشر ، وبين الموقف السياسي لقوى سياسية أو أحزاب ترغب في تغيير الواقع وتناضل من أجل الإصلاح ومن أجل حياة أفضل لشعبها ، فالحديث لم يكن يتعلق بالمشاعر الشخصية وإنما بالموقف السياسي ، والخلط بين الأمرين أوقع اللبس . السياسة لا تبنى على الغرائز ، وإنما تبنى على المصالح والوعي والحكمة والعقلانية في إدارة الأزمات ، والسياسي الناجح هو الذي يفصل بين مشاعره الخاصة وبين موقفه السياسي ، وتلك أصبحت من بديهيات العمل السياسي في العالم كله ، وأطلق بعضهم قاعدة : في السياسة لا عداء دائم ولا صداقة دائمة وإنما مصالح دائمة ، ورفض الشماتة في الشعب أو قطاع منه لا يعني تجاهل حقوق ودماء وأعمار ذهبت ظلما ، فالعدل قوام الحياة وقوام الملك وقوام الدول نفسها ، ولكن العدالة هي جزء من منظومة شاملة للإصلاح أو إنقاذ الأوطان في لحظة تاريخية حرجة أو مظلمة ، وثمة تجارب ثرية في جنوب أفريقيا وفي أمريكا اللاتينية يمكن استلهامها لتفسير مقصد هذا الكلام اختصارا للوقت ، والحقيقة أن الشماتة ليست عدلا ولا تتصل بالعدل أبدا ، هي غريزة مثل غريزة الثأر الجاهل ، أصابك أحدهم بمكروه أو بظلم فتستبيح الجميع بدلا من أن يكون ردك على من ظلمك ، ولذلك قلت أن نظرة الكراهية لشعب بكامله لأن واحدا في المائة أو عشرة في المائة منه خذلك أو باعك فهو طيش وثأر أعمى وظالم . والشماتة غريزة يولدها في العادة الإحباط ، وتكون علامة عليه ، علامة على العجز ، فيفرغ غضبه ومشاعره في الشماتة بالآخرين ، وخطورة هذا الخلل الغريزي أنه مدمر لأي خطط إصلاح سياسي أو حتى اجتماعي ، لأنه يمزق نسيج المجتمع ويدمر علاقات القوى ذاتها ببعضها البعض ويعبئها بالمرارة والكراهية ، فيستحيل أن تجتمع على رؤية أو عمل من أجل الإصلاح ، وفي المحصلة يكون ذلك معوقا للإصلاح وملغما لطرق العمل السياسي الجادة ، وفي تقديري أن النظام الحاكم في أي مكان لن يجد أحسن من تلك "الغريزة" لكي يعاون هو نفسه على نشرها وتسويقها بين معارضيه من خلال لجانه المختلفة لتعميق التحريش بين القوى السياسية وبعضها البعض وترسيخ سوء الظن والمرارات والكراهية ، وكذلك لتعميق القطيعة بين قوى التغيير وبين القواعد الشعبية لتصبح علاقة احتقار ورغبة في الإذلال ، لأن هذا يحول موقف الصراع السياسي ليكون داخليا بين قوى المعارضة المختلفة وبين الشعب وبعضه البعض ، وعندما ينتهوا من تلك المرارات وتصفية الحسابات ، بعد عمر طويل ، يمكن التفكير بعدها في السؤال : ماذا يمكن عمله للبلد ومستقبله ؟! . على مدار تاريخ الحركة الوطنية المصرية الحديثة ، لم تخسر معاركها وتفشل في تجاربها من قلة الجهد أو غياب الإخلاص ، وإنما من غياب الوعي ، وحضور المكابرة ، لا نتعلم من دروس الأمم الأخرى وتجاربها ، كما لا يعترف أحد بخطئه ، ويعمل كل طرف سياسي باعتباره فرس رهان الأمة ، وطليعة التغيير ، وحامل شعلة النور والتنوير ، إسلاميين ويساريين وناصريين وقوميين وليبراليين ، تعاملوا مع السياسية بمنطق الطائفية السياسية ، والجزر المنغلقة على شللها وناسها وعصبياتها ، ولا تتماس مع الآخرين إلا لضرورة لحظية سرعان ما تنفض بفضائح ، مرارا وتكرارا حدث ذلك ، وقد تبلور بصورة أكثر وضوحا في مسارات ثورة يناير منذ انتصارها وحتى إسقاط حكم محمد مرسي ، ثم ورث الجميع من التجربة ـ فقط ـ مرارتها وروح الشماتة وتبادل الاتهامات والتلاوم بين الجميع . الشماتة لا تغير واقعا ، بل تحصن الواقع السيء وتعطيه فرصة أخرى للبقاء والتمدد ، الشماتة تبعد الهدف ، وتمزق الطاقات ، وتضعف الآمال ، وتحبط الجهود ، الشماتة السياسية إعلان للعجز وانتصار للإحباط ، وفي المحصلة جناية على الأوطان ، تلك هي المسألة .

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف