الوطن
محمد صلاح البدرى
شعب لم يجد من يحنو عليه!
١

ربما لم تستقر فى وجدان البسطاء أو تثبت فى ذهن العامة مقولة خلال الأعوام الماضية كلها مثلما فعلت مقولة اللواء الفنجرى الشهيرة عقب ثورة يناير.. إننا «شعب لم يجد من يحنو عليه»، ما زلت أجد أن كل ما مررنا -وما زلنا نمر به- منذ قيام الثورة وحتى الآن يستدعيها بشكل أو بآخر.. أو ربما كانت المقولة ذاتها أعظم بلاغة من أن تنساها الأذن التى سمعتها مرة واحدة فى عمرها القصير!

إننا شعب لم يجد من يحنو عليه حقاً، لم يفعلها نظام سابق، وربما يكاد النظام الحالى يحذو حذوهم!!

٢

لقد أعلنت الدولة الحرب على السوق السوداء للعملة منذ عدة أيام، هذا جيد، فبدأت بقرار الغرفة التجارية بمنع الاستيراد، وانتهت بتحرير سعر الصرف للعملة المحلية، وفى كل هذا تراقص الدولار صعوداً وهبوطاً بجنون لم يحدث فى تاريخ الوطن من قبل، فارتفع ارتفاعاً قياسياً ومعه الأسعار كلها، وانخفض بغرابة شديدة، ومن دونها كالمعتاد، حتى استقر على سعر متغير بين ارتفاعه وانخفاضه فى البنوك، وترك الأسواق تعيد تشكيل نفسها بناء على السعر الرسمى الجديد! كل هذا دون أن يتذكر أحد من الأطراف المتصارعة أن هناك شعباً يتأرجح معهم صعوداً وهبوطاً، وأنهم فى خضم معركتهم الحامية مع السوق السوداء، تركوا المواطن البسيط فريسة للتجار يلهون به كما يشاءون دون أدنى ضابط للأسعار، ودون رقابة حقيقية، بل دون رقابة تقريباً!! لا أدرى، هل تدرك الحكومة أن الشعب يئن؟ هل تدرك أن هناك شعباً أصلاً؟!

٣

فى المعتاد يلزم القانون أى جراح أن يشرح «العملية» للمريض، ويصف له خطواتها بالكامل، بل ويحصل منه على إقرار مكتوب بالموافقة على إجرائها مع علمه التام بكل ما يمكن أن تسببه من مضاعفات، ينطبق هذا الإجراء على كل العمليات الجراحية حتى البسيطة منها، إنها خطوة أساسية يعرفها كل طبيب مبتدئ، بل ويتعلم خلال دراسته كيف يبسط الجراحة للمريض، وكيف يشرح له خطواتها دون تعقيدات المصطلحات الطبية المعتادة! لم تحصل الحكومة على الإقرار اللازم من الشعب قبل أن تشرع فى إجراء الجراحة، بل ولا أعتقد أنها كانت ستحصل عليه إن حاولت، فالشعب لا يثق فى مهارتها إلى الحد الذى يجعله يوافق على أن تجرى له تلك الحكومة تحديداً الجراحة التى يحتاجها! ولا يثق فى مهارة التخدير ولا نظافة غرفة العمليات! لقد فقد الشعب ثقته فى تلك الوزارة منذ فترة بعيدة، والطريف أنها لم تحاول السعى لاستعادتها من الأساس!! كان يمكن أن يتم التمهيد للناس بضرورة تلك القرارات، كان يمكن أن يتم استغلال برامج الثرثرة الإعلامية ليفهم الناس ما يحدث للاقتصاد، وما هو ضرورى لحياة هذا الوطن، ولكن أحداً لم يهتم، ولا أعرف السبب!

٤

لقد كانت الجراحة ضرورية، أعرف ذلك جيداً بل ربما تأخرت كثيراً، وهو ما جعلها أصعب بكثير مما كانت ستصبح عليه إن تم إجراؤها فى الوقت المناسب، لم يكن رفع أسعار الوقود أمراً مستبعداً، بل ربما لم ينفصل عن قرار التعويم من الأساس، وسيتبعه ارتفاع موازٍ للعديد من أسعار السلع الأساسية التى كانت تعتمد فى ثبات سعرها على تثبيت سعر الصرف للدولار بصورة مستمرة، لقد تحول الدعم عبر العصور المتراكمة فى مصر من وسيلة لتحقيق مستوى «مقبول» من المعيشة للفئات محدودة الدخل إلى «رشوة سياسية» يتم تقديمها من الأنظمة المتعاقبة للشعب كى لا يغضب، وأصبح وسيلة لتسكين الناس وتأجيل المشكلات المتتالية، ولكن رفع الدعم وإعادة توجيهه كان يقتضى أن تمتلك شبكة قوية للضمان الاجتماعى أولاً، شبكة تجعل تلك الإجراءات أخف وطأة على الفقراء الذين يحتاجونه بالفعل، يقول المثل الصينى «حين تتصارع الأفيال.. فالعشب وحده هو من يدفع الثمن»، يبدو أننا سنفقد الكثير من العشب فى الأيام المقبلة!!

٥

لا أعتقد أن هناك فائدة من إلقاء اللوم الآن على أحد، لقد تمت الجراحة بالفعل، وخرج المريض إلى غرفة العناية المركزة، ولا سبيل للعودة بالزمن بأى شكل من الأشكال!

فلنعمل جميعاً فقط الآن أن «تنجح العملية»، فلنجتهد وننتج بأقصى ما نستطيع، ولنعتنى بفقرائنا الذين سقطوا من حسابات الحكومة فنمد لهم يد العون قدر المستطاع، ولنخفف عنهم آلامهم التى ازدادت وستزداد خلال الأيام المقبلة، فلنقف يداً واحدة من أجل نجاح العملية، فلنكافح من أجل أن يحيا مريضنا، الذى يحتاج إلى كل من يستطيع أن يفعل شيئاً من شأنه أن «يحنو عليه»!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف