الوطن
د. محمود خليل
الميليشيات الإلكترونية
موضوع خطير.. فالمسألة ليست فى مجرد تعليقات أو آراء يسوقها بعض المؤيدين أساسها كيل المديح فى الجهة التى يؤيدونها، وصب القباحات على أى صوت يختلف معها. المسألة تتجاوز ذلك. فالميليشيات الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعى، تمثل جماعات منظمة، تعمل طبقاً لخطة محكمة، وبخطاب تم إعداده بصورة معينة، وبأهداف واضحة تتمثل فى الدفاع عمن يؤيد، والاغتيال المعنوى لمن يعارض، ولست أدرى: هل يقف وراءها تمويل أم لا؟ لكن ما أفهمه جيداً أن أى عمل منظم، لا بد أن يستند إلى كُلفة مالية محددة.

جوهر الخطورة فى ظاهرة الميليشيات الإلكترونية أنها تضعنا أمام تنظيمات حقيقية، لها عناصرها وقياداتها وتمويلها، ولسنا أمام شكل من أشكال التصارع بين الآراء، فمن الطبيعى جداً فى مجتمع شهد ثورتين أن يشهد تبايناً فى الآراء والتوجهات واختلافات جمة فى وجهات النظر، لأن أى مجتمع يخوض ثورة لا بد أن يمكث فترة حتى يجد طريقه، ويحدد بوصلته. التتبع التاريخى يقول إن «الإخوان» هى التى بدأت هذه اللعبة، وبإمكانك القول إنها بدأتها فى فترة سابقة على هذا التاريخ، فقد جيّشت عناصر وعناقيد منها لتلعب هذه اللعبة على مواقع التواصل الاجتماعى، وعكست الأفكار الدفاعية أو الهجومية التى تبنتها الجماعة قبل 30 يونيو، وبعدها حالة التناغم التنظيمى التى تحكم الأداء، وما زالت هذه الميليشيات تلعب دوراً حتى الآن كجزء من أدوات الجماعة فى محاولاتها المستمرة لاستعادة السلطة. كان من الطبيعى أن تفرز هذه الظاهرة نقيضها، وأن تظهر ميليشيات إلكترونية على الطرف الآخر.

وإذا كان جوهر الخطاب الميليشياوى الإخوانى «التكفير» أو اتهام المخالف فى الرأى بالعلمانية والعداء للإسلام، فقد كان جوهر الخطاب المدافع عن السلطة «التخوين»، واتهام من يقف فى صف الاختلاف أو المعارضة بالخيانة والعمالة وبيع الأوطان، واتفق الخطابان بالطبع على الدفاع المطلق والمستميت عن الطرف الذى يؤيدونه. ربما ردد البعض أن الظاهرة تبدو طبيعية فى ظل حالة الاستقطاب التى سيطرت على المشهد المصرى خلال السنوات الماضية، وليس فى مقدور أحد إغفال الدور الذى لعبه الاستقطاب فى هذا السياق، لكن من المهم الإشارة إلى أن المجتمع المصرى شهد حالة مماثلة للاستقطاب منذ اندلاع ثورة يناير 2011، بين الثائرين على «مبارك»، والمؤيدين له فى سرهم أو على الأسرّة فى بيوتهم، وهو التأييد الذى بدأ يظهر فى العلن بعد ذلك فى سياق جهود «شيطنة يناير»، لكن فى كل الأحوال، لم يؤد هذا الاستقطاب إلى ظهور ميليشيات إلكترونية منظمة وممولة على النحو الذى شهدناه بعد يونيو 2013.

كلمة «ميليشيات» تعنى التنظيمات المدنية المسلحة، مثل ميليشيا الحشد الشعبى فى العراق، وميليشيا الكتائب، وميليشيا حزب الله فى لبنان. وقد انتعشت هذه الظاهرة فى لبنان خلال الحرب الأهلية التى شهدها هذا القطر. الميليشيات لدينا لم تزل افتراضية، إذ تعمل على ساحات التواصل الاجتماعى، وهى تخوض حرباً ضد خصومها مدارها فكرة «القتل الأبيض»، استرشاداً بالمسرحية الشهيرة لدورينمات، وماذا يكون السعى وراء الاغتيال المعنوى أو القهر النفسى سوى «القتل الأبيض»؟.. ويا عالِم!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف