الأخبار
محمد السيد عيد
الجنيه البرمائي
لماذا يغضب المصريون من تعويم الجنيه ؟ المفروض أن يفرحوا ويهللوا ويباهوا الأمم لأن الجنيه المصري العظيم أثبت قدرته علي العوم بعد أن كانوا يظنون أنه كائن أرضي فقط. وسأروي لكم ببساطة قصة التعويم باختصار.
تبدأ القصة بالجنيه يجلس وحده ذات ليلة، يفكر فيما صار إليه، ويتذكر حين صدر عام 1885، وكيف كانت قيمته تساوي ثمانية جرامات ونصف الجرام من الذهب، أي أنه بسعر اليوم كان يساوي خمسة آلاف ومائتين وسبعة وعشرين جنيها تقريباً. شعر الجنيه بالاكتئاب فقرر أن يخرج إلي شاطئ النيل ليشم الهواء لعل تغيير الجو يخفف عنه. أثناء سيره خرجت عليه مجموعة من اللصوص، وفتشوه، فلما وجدوه أنظف من الصيني بعد غسيله، قيدوه بجنزير من حديد، وربطوا معه حجراً كبيراً، وألقوه في النيل حتي لا يبلغ عنهم الشرطة، بعد أن رأي وجوههم، وعرف سرهم. راح الجنيه يصرخ بأعلي صوته : يا ناس، ياهو، أنا الجنيه المصري، انقذوني قبل أن تفلسوا جميعاً.
وصل صوت الجنيه لبعض الماره فأبلغوا النجدة، فلما جاءت اكتشف الضابط أن الجنيه يقاوم الغرق، لكنه لن يستطيع أن يصمد طويلاً، فاتصل بوزير المالية طالباً الغوث. وبسرعة حضر الوزير، وقفز إلي النهر دون تفكير، ومعه عوامة من الكاوتش، فألقي بها للجنيه، فتعلق بها، لكن الوزير لم يلبث أن ابتلت ثيابه، وكاد أن يغرق هو الآخر فتعلق بالعوامة، وراح يصرخ مع الجنيه : الحقونا.
اتصل حرس الوزير بمنزل رئيس الوزراء، وأبلغوه بالخبر، فانطلق الرجل بالبيجامة لكي يلحق الجنيه والوزير، وقبل أن يتحرك طلب من شرطة المسطحات أن تأتي بسرعة ومعها جاكتات النجاة، وبعض الغواصين المدربين لإنقاذ الجنيه من الغرق. تأخرت شرطة المسطحات، وأراد رئيس الوزراء أن يبدو في عيون الناس بطلاً، فخلع بيجامته، وقفز إلي النيل بملابسه الداخلية. وراح يسبح حتي وصل للجنيه، فطمأنه، وأكد له أن الشرطة لن تترك من حاولوا القضاء عليه، لكن الجنيه صاح فيه : ليس وقت الحديث عن عقاب الفاعلين، المهم أن تنقذوني أولاً قبل أن أغرق أو أموت من البرد. شعر رئيس الوزراء بالإجهاد، فتعلق هو الآخر بالعوامة التي كادت أن تغرق بالثلاثة لولا وصول شرطة المسطحات في الوقت المناسب، فتدخلت بمنتهي السرعة، وانتشل رجالها رئيس الوزراء ووزير ماليته، مع مراعاة الأقدمية طبعا. لكنهم عجزوا عن انتشال الجنيه، إذ اكتشفوا أن الجنزير الحديد شبك في جسم سفينة غارقة، وصار من الصعب إخراجه. فكر رئيس الوزراء بسرعة. قال : سأحضر أكبر الخبراء في العالم لإنقاذ الجنيه من الغرق. سأله وزير المالية : من تعني ؟ قال : ستيفن لاجارد، مديرة صندوق النقد الدولي، فهي خبيرة تعويم الجنيه الأولي في العالم. وأخذ تليفون ضابط المسطحات المائية واتصل بستيفن لاجارد، وطلب منها سرعة الحضور قبل أن يغرق الجنيه وتقع الكارثة.
ركبت الست لاجارد أول طائرة، وكانت سيارة رئيس الوزراء المرسيدس في انتظارها في المطار، فنقلتها فوراً لموقع الحدث. عرف الناس بأن لاجارد ستنزل لإنقاذ الجنيه فجاءوا ليتفرجوا علي المايوه البكيني الذي سترتديه، لكنهم ماإن رأواها بالمايوه حتي ندموا علي الحضور، فالمرأة رفيعة ومعصعصة مثل عود القصب الممصوص، وكانوا يمنون النفس بمشاهدة اللحم الأبيض الخواجاتي فخاب ظنهم. قالت لاجارد بعد معاينة الموقف : لابد من بالونة أمريكية كبيرة، مملوءة بالغاز الطائر، تحلق في الجو فتشد معها الجنيه. جاءوا بالبالونة بسرعة، لكنهم فوجئوا أن الجنزير قطع من شدة الجذب، فطارت البالونة ومعها الجنيه. وهكذا صار الجنيه المصري برمائيا، وطائراً أيضاً. تري هل هناك من يستطيع أن يلحق به قبل أن يضيع في الهواء ؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف