بعد هجمات عنيفة من زيادات الأسعار لغالبية السلع والمنتجات عبر تجار و أناس أدمنوا سرقة «الغلابة» حتى وصلوا لمستويات معيشية خانقة،
وأصبحوا مطالبين بالصبر على أحوال فرضت عليهم، ومع بداية فصل الشتاء ببرودته المعهودة، تدثروا بالأمل فى أن تتوقف تلك الزيادات لفترة علهم يلتقطون أنفاسهم لبرهة، حتى يستطيعوا التنفس وسط أمواج عاتية من الجشع والتوحش الذى أصاب حيتان الأسواق بشكل يدعو للقلق. حتى جاءت الحكومة بقرارين فى يومين متتاليين ليصاب المواطن بصدمة لم يكن يتوقعها الآن، رغم وجود مقدماتها، إلا أن تواترهما آلمه.
نعم كان لابد من تعويم الجنيه وفق أبجديات الاقتصاد الحر، وفى ظل أسواق دولية مفتوحة وحاكمة تفرض آليات توجب الأخذ بها، كان علينا أن نتعامل معها، لاسيما، وأنه أحد الشروط الرئيسية التى طالب بتنفيذها صندوق النقد الدولى، لحصول مصر على قرض إجماليه اثنا عشر مليار دولار، ورغم أهمية هذا القرار الذى أعلنه محافظ البنك المركزى، وهو أمر فى غاية الخطورة، فإن الصواب جانبه، حين وضع الهزل مكان الجد، بقوله إن «زوجته» سعيدة بقرار التعويم، وبدا وكأنه يحقق أمنيتها على حساب أمانى ملايين المصريين! وفاته أنه مطالب بتحقيق طموحات الناس بحكم خبرته التى تميزه عن باقى المصرفيين. وأيضا كان من الضرورى رفع الدعم عن البنزين والسولار والغاز، استجابة لصندوق النقد، ولسد عجز الموازنة الذى وصل لدرجة مرعبة، ليجد المواطن نفسه بين عشية وضحاها وسط دوامات متلاطمة من أزمات لا طاقة له بها، وأمسى لزاماً عليه «العوم» وحده فى أهوالها، بعد أن ضنت عليه عقود سابقة بتعليمه «العوم» حيث كانت سببا مباشرا فى نهب أحلامه، وسرقة آماله، ولم تترك له ما يقيته حتى ساءت صحته، وقلت قدرته على المنافسه جراء تعليم مهترئ، وفساد متجبر. لا خلاف على حتمية تلك القرارت الاقتصادية التى هلل لها محترفو «العوم» وهم كثر، لا يضيرهم زيادة سعر المحروقات، ولا الآثار الناتجة عن تعويم الجنيه، فقدرتهم المادية تمكنهم من المواجهة دون عناء، ولكن فى المقابل، أضعافهم الذين يعيشون تحت وعلى خط الفقر سيغرقون!
وفى اليوم التالى لتلك الصدمات الاقتصادية هبت الحكومة بكامل هيئتها تبرر، وتعلن أن هذه القرارات من أجل «البسطاء»! وأعلنت زيادة دعم المقررات التموينية لـ 21 جنيها، وهى من قبل بضعة أيام رفعت عليهم سعر السكر 40%، فهل هكذا حققت الحكومة العدالة الاجتماعية ـ أحد شروط البنك الدولى لإعطاء القرض ـ ، وأين البرامج الشفافة والمعلنة لمحاربة الفساد التى طالب بها الرئيس السيسى، لحماية الفقراء؟ ولنسأل أنفسنا ، ما الذى أنجزته الحكومة الحالية؟ وما الحلول التى طرحتها لمعالجة الأزمات التى خلفتها السنون الماضية؟ ومتى ستنتهى؟
وكيف ستحمى «البسطاء» من الغرق، فى ظل أزمات قادمة، توقعت الحكومة حدوثها؟ وهى من تترك الأسواق بلا رقيب ولا حسيب، ليفعل ميِّتو الضمير ما يشاءون بهدوء مستفز. حتى أرباحهم أيضا تهرب من الضرائب، والأمثلة كثيرة منها بعض أنواع السجائر المسعرة منها و تباع جهارا بأكثر من سعرها بأربعة جنيهات، مع ملايين العبوات المباعة يومياً، نجد أرباحا ضخمة غير مستحقة تتغاضى عنها «الحكومة» بلا مبرر. والأمر كذلك فى سلع أخرى لا يتسع المجال لذكرها، مثل السكر والأرز والأدوية .. إلخ.
لقد بات من المؤكد أن الرئيس السيسى يراهن على شعبيته الجارفة، خاصة أن هذه القرارات جاءت قبيل يوم 11/11 الذى يدعو فيه الإخوان الناس للخروج، والتظاهر ضد النظام، لاسيما وأن هذه القرارات أمر حتمى لا مناص منه، و لكن اختيار التوقيت له أكثر من مغزى.
الأول، أن مصر ليست فى حاجه لأحد قريب أو بعيد، وأنها تستطيع الاعتماد على نفسها دون سند.
الثانى، أن مصر قادرة على النهوض بهمة وعزيمة أبنائها متوحدين خلف رئيسهم.
الثالث، وقوف المواطنين صفا واحدا كظهير قوى للرئيس، وهو ما سيظهر يوم الحادى عشر من نوفمبر الجارى، حينما يمر اليوم كسابقه دون شائبة و منغصة، ليعلن المصريون أمام العالم أجمع دعمهم للرئيس.
إن الرئيس يضع نفسه فى اختبار حقيقى لم يجرؤ على فعله أى رئيس فى العالم من قبل، اختبار مهيب، لا يستطع دخوله إلا رجل واثق من نفسه، ومن شعبه. ولكن آمال الرئيس تحتاج لمنفذين يعون حجم وعظمة تلك التجربة غير المسبوقة، يعملون بكد دون ملل، يعملون من أجل «الغلبان» الذى استجاب لنداء الرئيس فى يوليو 2013، وسيستجيب لندائه اليوم وبعد غد. ويجب أن يتحمل كل منا مسئوليته بأمانة وشرف فى هذا الوقت العصيب، وأن نقدم العون لمصر حتى تنهض من كبوتها، وأعتقد أنه قد حان الوقت ليتبوأ مقاعد المسئولية رجال يقدرون قيمتها، وقامتها، رجال يعشقون مصر ولا يتكبرون عليها ولا على أهلها، رجال يشعرون بعظمة الوطن، وبناسه لاسيما الفقراء. السند الحقيقى وقت الشدة، الذين أعلنوا حبهم لوطنهم فى 30 يونيو، وسيؤكدونه فى 11 نوفمبر الحالى.