جمال سلطان
العالم يستيقظ على "زلزال" فوز ترامب !
بتنا ، وبات العالم في أغلبيته الساحقة ، أمس ، ونحن ننتظر الصباح لنعرف ما هي النسبة التي ستفوز بها هيلاري كلينتون في الانتخابات الأمريكية ، البعض من فرط الثقة قال أنه ستكون نسبة عالمثالثية ، لا تقل عن 90% ، والبعض تواضع وقال أنها ستفوز بفارق مريح على هذا "المهرج" ، ومع بداية إعلان النتائج الأولية فجر اليوم بدأ مسلسل من الاستغراب ثم الحيرة ثم الذهول ثم الصدمة ، هل هذا معقول ، هل فاز ترامب وخسرت هيلاري ؟ . الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة واحدة من أغرب مخرجات الديمقراطية في بلاد الديمقراطية العريقة ، فبكل المقاييس التي يعتبرها أهل السياسة والإعلام معهم منطقية وبديهية لم يكن ترامب مرشحا للفوز ، ولذلك كان هناك إجماع بين مراكز أبحاث استطلاعات الرأي والصحف الكبرى على أن كلينتون متفوقة على ترامب بخطوات ، كما أن حجم الأخطاء التي ارتكبها "ترامب" في أثناء حملته الانتخابية لم تكن تعطي أي انطباع بأنك أمام رئيس محتمل لأمريكا ، وبدا في بعض الأوقات أنه هو نفسه يسلم بذلك ، حتى أن قيادات بحزبه الجمهوري أعلنوا صراحة وعلى الملأ أنهم لن ينتخبوه ، وأن هذا لا يمكن أن يكون رئيسا لأمريكا ، ومع ذلك كسب رهانه الشخصي ، أيضا ، مثل "ترامب" الصورة الأكثر تخلفا في الموقف من المرأة والأقليات ، ونشر له حديث بالغ الوقاحة في حديثه عن النساء وقد اعترف به وأبدت زوجته نفسها احتقارها لما ورد فيه واعترفت بأنها لم تتصور أن تخرج هذه الكلمات منه ، كما تحدث باستعلاء عنصري بغيض عن الأقليات المهاجرة في أمريكا وليس المسلمين فقط ، ومع ذلك نجح ، وقفت ضده جميع وسائل الإعلام الأمريكية الكبيرة وتحدته وقامت ضده بحملات مدمرة ، كما سخر منه رموز المجتمع الأمريكي الكبيرة في الفن والرياضة ، كما ألقت دوائر المال والاستثمار بثقلها وراء خصمه ، ومع ذلك انتصر ذاك الذي بدا أمام الشاشات أنه ليس أكثر من بهلوان . في تفسير معنى فوز ترامب ستكون هناك شروحات كثيرة ، وتحليلات تكفي مساحة الكرة الأرضية طولا وعرضا ، على قدر حجم المفاجأة والذهول الذي حققته ، البعض سيذهب إلى أنها نزعة ذكورية ، رفض فيها الناخب الأمريكي أن تكون رئيس الدولة العظمى امرأة ، والبعض سيذهب إلى أنه ثأر "البيض" من استيلاء "الأسود" أوباما على مقعد الرئاسة ثماني سنوات ، والبعض سيرى أنه تعبير عن موجة من العنصرية تجتاح أمريكيا ، والبعض سيبحث عن أسباب اقتصادية مدفونة في مشاعر المواطن الأمريكي العادي أو الفقير أو ما تحت الطبقة المتوسطة ، والذي غازله ترامب بأنه سيعيد إليه حقوقه الاقتصادية التي أضاعها أوباما ، خاصة وأن الولايات التي يغلب عليها الطابع الزراعي والأقل رفاهية وثقافة هي التي صوتت له ، وهناك من سيرى أنه الشعور بالخوف الذي راهن عليه ترامب بأن أمريكا العظمى تضيع وتضعف ويستبيحها قوى في الشرق والغرب أقل منها شأنا ومكانا وتضحية من أجل البشرية ، وغير ذلك من تحليلات وأفكار واحتمالات . مع فوز ترامب الجمهوري ، نجح أيضا الحزب الجمهوري في بسط سيطرته بالأغلبية على مجلس الشيوخ ، ولكني أتصور أن الحزب سيكون أداة سيطرة على الرئيس "ضعيف الخبرة" وأنه سيقلم من أظافره ، وأتصور ـ وربما أكون مخطئا ـ أن ترامب الذي يحظى ـ شكليا ـ بدعم السلطة التشريعية كاملة ، سيكون أضعف رئيس لأمريكا ، لأن قيادات الكونجرس جمهوريين وديمقراطيين غير مقتنعين بقدراته أساسا ، ويعتبرونه خطرا على أمريكا ، وسيتعاملون معه كحالة اضطرار تمضي في الأربع سنوات المقبلة ، وقد لاحظت أن ترامب في الخطاب الذي قاله بعد إعلان النتائج تراجع كثيرا عما كان يقوله سابقا في الشئون الداخلية والخارجية ، كان أشبه بخطاب اعتذار عن "جعجعته" التي ملأت المنصات والمؤتمرات الانتخابية ، وأعتقد أن حسابات المصالح المعقدة والعلاقات فائقة الحساسية للدولة العظمى في العالم لا تسمح لترامب بأن يمدد أفكاره الحمقاء لأبعد من منصات الكلام . الشرق الأوسط منقسم تجاه الانتخابات ، حتى من قبل التصويت ، فهناك تركيا التي ابتهجت كثيرا وبصورة واضحة لفوز ترامب باعتباره قطع الطريق على هيلاري المتعاطفة مع التمرد الكردي ومع جماعة جولن أيضا ، وفي مصر هناك حالة فرح على خلفية ترحيب ترامب بالسيسي وقوله أن بينهما كيمياء واعتقاد مؤيدي النظام بأنه سيطارد جماعة الإخوان وربما يصنفها إرهابية ، وفي إيران هناك قلق واضح من أفكار ترامب تجاه الاتفاقية النووية والغضب الذي أبداه مرارا من الإهانة التي ألحقها أوباما بأمريكا في تعاملاته مع إيران ، وفي سوريا احتفل أنصار بشار الأسد بفوز ترامب باعتباره صديق بوتين الحليف الأساس لبشار في قمع ثورة الشعب السوري ويعتقدون أنه سيتحالف مع بوتين لإنهاء الثورة المسلحة ، وفي الخليج العربي هناك قلق من التصريحات العدوانية لترامب تجاه دول المنطقة واعتبار أنها أخذت من أمريكا أكثر مما أعطت وأنه آن الأوان أن تدفع من ثرائها الكبير ثمن حماية أمريكا المزعومة لها ، وأما الكيان الصهيوني فقد احتفل بداهة بانتصار ترامب لأنه من نسيجه ومن أنصاره المخلصين وهناك آمال عريضة هناك على مضاعفة الدعم الأمريكي للكيان خلال فترة رئاسته . في تقديري أن شيئا جوهريا في السياسات الأمريكية تجاه المنطقة غير مطروح للتغيير في الفترة المقبلة ، والبنية المؤسسية للولايات المتحدة قوية بما يكفي لمنع رجل أعمال صغير ونزق أن يتلاعب بمصالحها وتحالفاتها حول العالم ، كما أن ترامب نفسه مدرك لصورته الآن أمام شعبه ومؤسسات الدولة وأمام العالم ، وقد بدا ذلك واضحا في كلمته الاعتذارية التي قالها عقب فوزه ووعد فيها بأن يكون "رئيسا صالحا" للجميع داخل أمريكا خارجها ، وإن كان من المؤكد أن يشهد العالم خلال السنوات الأربع المقبلة فواصل من الفكاهة والتهريج السياسي العالمي غير المسبوق .